رند الاسود
مع كثرة الخريجين الجامعيين وندرة فرص العمل في القطاع الحكومي أو انعدامها، يتجه أغلب الشباب نحو القطاع الخاص ليصطدم بشرط الخبرة، الذي يقف كالسد المنيع بين أرباب العمل واستهلاك الطاقات الشبابية الجديدة، فكيف يحصل الشباب على الخبرة دون مزاولة العمل مهنيا؟
من المعلوم أن نظام أغلب جامعاتنا العراقية علمي بحت، ولا يوفر الفرص أمام الطلبة للتطبيق العملي الا بنطاق ضيق جداً، فكيف يحصل الخريج على شهادة الخبرة دون مزاولة العمل، وهل من حلول يتم العمل بها لاجتياز هذا العائق الذي يقف حائلاً بين الشباب
وأحلامهم.
بين الشاي والجغرافيا
ما يميز محمد سلمان بائع الشاي في إحد تقاطعات العاصمة بغداد اجتماع الأولاد حوله كل يوم مساءً ليشرح لهم ما استصعب عليهم في مادة الجغرافيا، التي تخصص بها في الجامعة، وعجزَ عند التخرج عن إيجاد فرصة للعمل كمدرس في إحدى المدارس الأهلية التي تنتمي للقطاع الخاص، انعدام الخبرة هو الذي دفع محمد الشاب، الذي يملأه الحماس أثناء تدريس الاولاد في الشارع إلى بيع الشاي لضعف الحالة المادية وقتل حلم الوظيفة، ويواصل محمد حديثه قائلاً: أغلب الشباب اليوم يعاني من الشروط التعجيزية التي يضعها ارباب العمل في وعدم أخذهم بعين الاعتبار لأفكار وطاقات الجيل الجديد من الخريجين.
دورات
وبينما كنتُ في ضيافة الدكتور ناز بدرخان أستاذة العلوم الاجتماعية والنفسية في جامعة بغداد، فقدمت لنا الشاي ورأيها لـ"الصباح"، أوضحت لنا أن "موضوع الخبرة مهم جداً، لكننا نواجه مشكلة في العراق هي إننا نبحث عن الخبرة قبل توفيرها للخريجين، فلذلك نرجو وضع خطط من قبل الدولة والمؤسسة التعليمية في كيفية أن يكسب كل الخريجين الخبرة، كلٌ في مجال تخصصه من خلال توفير دورات أو ممارسة التخصص في مؤسسات أعدت لهذا الغرض، فقضية الخبرة مهمة جداً ويجب ألا ننسى الجانب النفسي للشباب الخريجين، الذين سيصابون بالإحباط، كلما قدموا على وظيفة وتم رفضهم بسبب نقص شرط الخبرة، الأمر الذي يؤدي بهم إلى انعدام الطموح والشعور بالكآبة والعجز عن تطوير مهاراتهم.
التطبيقي أم النظري؟
وفي اطار النظرة الاقتصادية لما نريد معالجته في هذه الظاهرة، كان لا بد من الوصول إلى خط لحل هذه الازمة التي ترافق الشباب وطموحهم، لذلك يحدثنا الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي في هذا الموضوع ليوضح لنا رؤيته عبر منبر "الصباح" ويقول: يظن العديد من الخريجين بأنه يجب على أصحاب الاعمال توظيفهم طالما حصلوا على شهادة جامعية، وهو افتراض خاطئ.
ويكمل "من الطبيعي ان يبحث القطاع الخاص والشركات أو أصحاب المصالح والورش عن توظيف الخبرات التي تتلاءم مع الحد الادنى لمتطلبات العمل تحقيقا للإنتاجية التي يبتغيها أصحاب الاعمال والمشاريع، في حين العكس يجري في القطاع العام، الذي لم يضع الخبرات المهنية كأفضلية وشرط من شروط
التعيين.
ويضيف التميمي "تعود هذه المشكلة أولا لمخرجات التعليم في العراق، التي يغلب عليها الجانب النظري وليس التطبيقي العملي، وافتقار التعليم في العراق لمناهج المحاكاة الدراسية مع الوظائف، وعدم وجود خطة تعليمية تهتم بالاختصاصات المطلوبة، واعدادها في ظل تغييرات عالمية كبيرة غيرت من طبيعة الوظائف بشكل عام، لذلك نأمل من الدولة والمؤسسات التعليمية الالتفات للخريجين الباحثين عن العمل، والبحث في كيفية تطوير خبراتهم حتى تواكب متطلبات العمل
القائمة".
دماءٌ جديدة
يحدثنا إياس أحمد صاحب إحدى الشركات التي تنتمي إلى القطاع الخاص عن أهمية وجود الخبرة في العمل المهني قائلاً: من المهم ان يكون الموظف حائزا على شهادة خبرة، ويسعى دائماً لتطوير مهاراته العملية، لكن الالتزام أهم من كل ما سبق، ويجب إعطاء فرصة جديدة للخريجين بالعمل على تدريبهم وتحسين الأداء المهني في العمل، فلو اعتمدنا دائماً على اصحاب الخبرة، فستتوقف دورة الحياة العملية لأننا خلقنا لنتعلم ونسعى إلى التقدم، لذلك ينبغي أن يعمل الخريج الجديد تحت إشراف أصحاب الخبرة، من أجل الحصول على المهارات المطلوبة للقيام بالعمل على أفضل وجه.