بيروت / غفران المشهدان
منذ عقدين من الزمن أو أقل كانت الرسائل الورقية وسيلة للتواصل بين العشاق الذين تفصلهم مسافات طويلة داخل أو خارج البلد الأم وكان لرائحة الورق المعطّر وحبر القلم وانت تتلقى رسالة ممن تحب رونق خاص في قلوب الكثيرين وفي نظرهم إنها أكثر بقاءً وأكثر حُباً ولكن في زمن التكنولوجيا الرقمية باتت الرسائل الورقية بين المحبين شيئاً من الماضي
لهفة المشاعر
المغتربة العراقية زينب أحمد من منطقة “كورنيش المزرعة “تقول بحسرة كبيرة : أحب كتابة الرسالة باليد ولها أثر بنفسي أكثر من رسائل الهاتف الجوال أو البريد الإلكتروني ،لقد ولدت بزمن الرسائل الورقيّة وكان للهفتنا معنى ولانتظارنا قيمة ،ولحروفنا وقع غياب وحضور ولمشاعرنا روايات مكتوبة تبقى للذكريات... وكم تعلمنا الصّبر ونحن ننتظر البريد قرب النافذة، للأسف انتهى زمن الحب الحقيقي في ظل غياب الرسائل الورقية”.
ألوان قوس قزح
أما المواطنة اللبنانية رندا موسى من بيروت فتؤكد : “رسائل الحب لا تتقدم في العمر رغم أنها قديمة قدم الكتابة بنفسها ولكنها تقرأ كلما تقدم بنا الزمن أنا لديّ رسائل من زوجي كريم رحمه الله عمرها أكثر من أربعين سنة ومن فرط اشتياقي أقرأها بين مدة وأخرى، واليوم جيل الثورة الرقمية اعتبره جيلاً مسكيناً لإنه يفتقد الى الرومانسية والحنين الحقيقيين وحرم من الفن الحقيقي لرسالة الحب ، لم يعش زمن الرسالة الورقية، المعطّرة الملونة بألوان قوس قزح، ومزينة بزخارف عشق وقلوب ملتاعة”.
غياب ساعي البريد
بينت المغتربة المصرية سميرة عطيات من حارة حريك بالقول : حين أكتب لأهلي رسائل عبر الواتس آب أو الفايبر أكون حزينة جداً لأنني أعرف أن ساعي البريد قد غاب للأبد، وان زمن الرسائل الورقية انتهى منذ اقتحمت التكنولوجيا بكل سطوتها وجبروتها تفاصيل حياتنا، مذ صرنا معلقين بالهواتف النقالة، جيل السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات لديه حنين كبير لكتابة الرسائل الورقية يبدو أن لغة العاطفة قد تغيرت بشكل كبير لأننا نتحدث عن الحب من خلال جهاز ميت يخلو من الروح والحميمة”.
طقس روحي
بينما توضح المغتربة التونسية سيزار سامي من “فردان” وهي تعيش في لبنان منذ أكثر من خمسين عاماً: حين كنت أكتب لأمي رحمها الله رسالة كان هنالك طقس روحي ذو خصوصية يُمارس بالكثير من الاشتياق والشغف والحب، أتذكر لهفتي ورائحة الورق أتذكر كيف أضع الفاصلة والنقطة وإشارات التعجب والاستفهام وأعطّر الورق بعطري الذي تعودت أن تشمه من ثيابي كلما عانقتني ، للأسف قد بردت مشاعرنا ولهفتنا بغياب الرسائل الورقية وأتمنى لو تعود ليكون هنالك خيار للناس أن تختار ان تبعث رسائل لمحبيها ورقياً أو الكترونياً”.
مخاطبة عصرية
تشير الانسة ماريا ماهر طالبة في كلية الحقوق من منطقة “فردان “ الى ان: لكل زمن جمالياته ورونقه بالتأكيد تختفي الرسالة الورقية ونحن نعيش زمناً ذا إيقاع سريع بعد ظهور وسائل الاتصال الحديثة، حيث التكنولوجيا المتقدمة لعالم الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والهواتف النقالة ويُعتبر الإيميل والخلوي والفاكس والتلكس وسائل متطورة للتعبير عن أسلوب المخاطبة العصرية”.
مضيفة” لقد حلت الرسائل القصيرة السريعة المكثفة SMS لتعبر عن مشاعر العشاق وأحاسيسهم وتماشياً مع نبض الزمن السريع لم يعد لدى الشبان اليوم الوقت الكافي للجلوس الطويل والتأمل العميق لكتابة الرسائل وتزويقها وتعطيرها ومن يدري ربما يمر خمسون عاماً ونحن نَحِن لهذا الزمن أيضاً”
رسائل نصيَّة
فيما يعتقد المواطن اللبناني علي محمد من منطقة “الأشرفية “ : بأن كثيراً من الناس وأنا منهم ما زلنا نشتاق للشيء المادي ، الرسائل النصية الآن ليست رومانسية ، للأسف لقد تم استبدال القلم والورق بالهاتف في كل مكان ، وهو جهاز محمول تم تصميمه ليغازل ويترجم الاشتياق في الوقت الفعلي ولكن رسائل الخلوي أو الجوال لم تستطع أن تحل محل الرسائل الورقية من حيث القيمة المعنوية والمادية، فهذه الأخيرة يمكن لها أن تدوم من خلال حفظها مئات السنين، بينما الرسائل القصيرة SMS قد تُمحى بسب فايروس أو غيره، أتمنى أن تعود رسائل الحب والرومانسية وأن ارى المزيد من الناس يتفاعلون مع بعضهم البعض بشكل حقيقي”.
توثيق
وتبين المغتربة الجزائرية، فتحية حمزة من منطقة الجناح”: تصوري حين زرت أبي رحمه الله قبل عامين تقريباً وفي ذكرى وفاة والدتي الثانية أخرج لنا أبي والدموع في عينيه رزمة كبيرة من الأوراق، مضى يد الزمن عليها وقد لوَّنها باللون الأصفر الفاقع الجميل، وقال لي: تلك رسائل أمكِ لي منذ أيام تعارفنا الأول في عام 1971وسرّني كثيراً اهتمام أبي بالتوثيق والأرشفة وبكيت كثيراً وأنا ألتمس خط يد أمي على الورق ورائحة عطرها على السطور وكلام الحب والشوق بينهما وهي تسرد له رفض والدها لزواجهما والتحديات التي تواجه حبهما وكيف تؤكد له إنها مازالت تسمع أغاني مطربهما المفضل محمد عبد الوهاب”.
مضيفة “هنا تكمن الجمالية واللهفة الحقيقية لوجود الرسائل الورقية ،فأين نحن اليوم من رسالة تحضنها الأيدي لتضمّها إلى القلب لحظة الاستلام؟،ثم لتختبئ بعدها في كتاب ما أو علبة لنعود إليها كلما عصفت بنا رياح الشوق!؟ “.
نكهة خاصة
في حين تؤكد محررة الأخبار كاتيا صائب من بيروت: “رغم تعدد وسائل التواصل ، لكن برأيي للرسائل الورقية المكتوبة نكهة خاصة وبالنسبة لي أتذكر لهفتي وحرارة مشاعري على صاعة الورق وتخطيطاته وحتى تحمل قبلة المرسل وبصمات أصابعه على السطور، وصولاً إلى المغلف ،والرسائل المكتوبة بخط اليد تعطي إحساساً أقوى لارتباطها بشخصية المرسل بل أعتبرها أكثر صدقاً، بخلاف الرسالة الإلكترونية التي قد تكون عبارة عن قص ولصق”.