ثلاث حكايات خرافية

ثقافة 2019/04/26
...

بيير بيتينكورت*
ترجمة : عادل العامل
 قدَماً إلى قدم
لدينا أنا وزوجتي طريقةٌ للنوم يمكن أن تبدو شاذة نوعاً ما: لا وجها لوجهٍ ولا ظهراً لظهر، وإنما بحيث تكون أخماص أقدامنا مضغوطةً على بعضٍ معاً. فكانت كل أحاسيسنا تجد ملجأً لها هناك، ونقضي ساعاتٍ مضطجعَين هكذا، ونحن نداعب أحدنا الآخر قبل أن نغفو.
لكن إذا ما كان على أحدنا، خلال حُلمٍ، أن يثني ساقه فينعدم التماس، يستيقظ الآخر، لانقطاع دورة الاتصال.
ونحن ليس لدينا أطفال، ولا نعرف بالضبط ما الطريقة الأفضل للتوصل إلى ذلك، ولم نجرؤْ أبداً على التساؤل. ونحن سعيدان بالكيفية التي نعيش بها، في سريرينا القائمين طرفاً إلى طرف، والأرض عند كلٍّ واحد منّا تحت قدم الآخر.
 
موسيقى المجالات الكونية
النجوم تطلق موسيقى الآن. فقبل شروق الشمس بقليل، في الأيام اللطيفة الطقس، يشبه ذلك حفلة أرغن، مهيبة في البعيد، تتضخم ببطءٍ حتى وقت الظهر تقريباً، وتدوّي في أذنيك. إنهما ساعتان طيبتان قبل أن يكون بوسع أحدٍ أن يسمعها مرةً أخرى.
أما في الليل، فالقمر يبدأ دخوله في مقطوعة أكورديون، وقد رأيتُ الناس يغفون، تهدهدهم بهناءٍ موسيقاه. وعندما تكون السماوات رماديةً، تجد الأمر وكأن حضوراً صامتاً يُبقيك رفقةَ عملك وعندئذٍ، فجأةً، من خلال فسحة في الغيوم، يتساقط عليك في وابل من التناغمات. ذلك يشبه حين تصفو الأذن المسدودة فجأةً.
 
 “لا أحد”
عش حياتك على الدوام كما لو انّ “لا أحد No One “ هناك يراقبك. إذ “لا أحد” يحكم العالم. فالحاجة لأن تُرضي، أن تشغّل نفسك حتى العظم، هو في أصل كل الاخفاقات الفكرية على الأرض. 
لكنك وحدك في جزيرة، وليس إلا “لا أحد” إلهاً هناك. كل ما يحيط بهذه المنصّة، البحر جمهور حضورك فقط، شاهدك الوحيد. فتكلَّمْ أو اصمت، عش الحياة في صخبٍ أو همس، فالأمر سيّان. “لا أحد” يقيم عميقاً في الداخل، وسواء رقدَ أو أظهر نفسه، فإنك تشعر بحضوره المهيمن الكتوم داخلك، وعينه الهائلة تشع من وسط جبينك مثل المصباح في رأس عامل منجم في الوحل، فتمضي قُدُماً وأنت تشقّ طريقك في ليلٍ مشجر أبداً بتلك الخطوة القاصدة لرجلٍ حرّ.
 
عن / World literature today
 
* بيير بيتينكورت Pierre Bettencourt  (1917 ــ 2006) كاتب، ورسّام، وشاعر فرنسي، إضافةً لاشتغاله في الطباعة، حين كان ينشر أعماله بنفسه من خلال قيامه بطباعتها على مطبعة تملكها أسرته خلال الاحتلال النازي لفرنسا.