فاجأ رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الصحفيين حين أعلن منع استيراد “الموطا” تشجيعا للإنتاج المحلي. كانت الأنظار خلال المؤتمر الصحفي تتجه نحو رؤية العراق للقرار الأميركي حول تشديد العقوبات على إيران. لكن ماصدر باتجاه منع المرطبات بدا وكإنه مفارقة ليست في وقتها. وربما هناك من كرر المقولة الأسخف في تراثنا الشعبي “عرب وين طنبورة وين”.
قبل أن نحسبها حساب “عرب وكرد وتركمان ومسيح وصابئة وأزيديين” لخاطر المحاصصة أذكر القارئ بواحدة من أهم الشركات في العالم وهي شركة “نستلة” السويسرية. هذه الشركة التي تأسست عام 1860 هي الآن واحدة من الشركات متعددة الجنسية التي تحتكر إنتاج الشوكولاته والعديد من منتجات الحليب في مختلف أنحاء العالم.
السؤال : لماذا نستورد كل أنواع الموطا والآيس كريم والشوكولاته والدوندرمة والبسكويت والحليب واللبن وصولا الى القيمر والقشطة والزبدة “القشطة بأنواعها والزبدة بأنواعها” بينما نمتلك كل مقومات إنتاج مثل هذه المنتجات ربما يطرح .
أحدهم اعتراض أكثر وجاهة قائلا دعونا من الموطا والحليب والشكرلمه الآن. الأفضل أن نحتار بـ “دردنا” المتمثل بالغاز والكهرباء وكلاهما نستوردهما من دول الجوار. أيهما أوجب “الموطا” أم الكهرباء ونحن على أبواب صيف يمكن أن نضيع فيه كل ليس اللبن فقط بل كل أنواع الحليب ومشتقاته. من وجهة نظري أن القضية لاينبغي أن ينظر اليها فقط على مستوى الأولويات الضاغطة. صحيح أن الحاجة الى الكهرباء خلال شهر آب حيث درجات الحرارة تفوق الخمسين وقد تقترب من الستين أهم من الموطا بالقياس الى مبدأ النسبة والتناسب لكن الى متى نبقى ندور في دائرة الأولويات؟ والى متى نبقى نتعامل مع حقائق الأشياء طبقا لمقولة أخرى من مقولاتنا التراثية البائسة وهي “أكعد بالشمس لمن يجيك الفي”؟
بالعودة الى الثلاثية المفقودة عندنا “الغاز والكهرباء والموطا” فإن العراقي بوصفه إنسان يحتاج الى الثلاثة بدرجة متساوية. الموطا أو النستلة أو معجون الأسنان حاجات إنسانية لاتختلف من حيث الأهمية عن الغاز والكهرباء والنفط. لكننا وبالنظر الى ما نعيش فيه من اتكالية مجتمعية وليس سياسية فقط لانهتم بأكثر مما يمكن أن ندخره لقوتنا اليومي. أليس لدينا مقولة يؤمن بها الكثيرون وهي “أصرف مافي الجيب يأتيك ما في الغيب” وثمة مقولة أخرى أتعس وهي “لاتفكر لها مدبر”.
أكاد أجزم أن السويسريين لو أن تراثهم يحتوي على مقولات من هذا النوع لما فكروا بإنشاء شركة خاصة بالنستلة قبل أكثر من 150 عاما. بينما نحن وبعد أكثر من 150 سنة على إنشاء هذه الشركة العملاقة التي طالما أحببنا ومازلنا منتجاتها نمنع الآن استيراد “المرطبات والعصائر” بهدف دعم الإنتاج المحلي. الم يفكر أحد قبل اليوم باتخاذ قرار من هذا القبيل مع وضع خطة لكيفية تشجيع المنتجات المحلية من هذه الصناعات؟ الإجابة لم يفكر أحد والدليل .. الولولولولولو!