أ.د. قاسم حسين صالح
في هذه الحلقة والتي تليها نقدم شخصية معروفة عراقيا وعربيا، يعد أول أكاديمي عراقي ينجز (81) كتاباً معظمها تحاكم نقاط الخلاف بين اليمين واليسار الإسلاميين، ليخرج بموقف فكري يرى أنه الصائب وما دونه خطأ وباطل، ليكون الدكتور صالح الطائي أول داعية أكاديمي إسلامي عراقي شيعي، يعتمد العلم في تحليل أثر (النص المقدس) في صناعة: (عقيدة التكفير، عقيدة التهجير، عقيدة المثلة وقتل البشر، وعقيدة قتل المرتد)، ويعمل على تحقيق مشروع كبير آخر يخص العقائد الإسلامية، التي بسببها يختلف المسلمون ويتقاتلون!
تعريف بالدكتور صالح الطائي:
نشأ (الولد صالح) وتربى على يد حكيم أمي لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه يجيد الحكمة قولا وعملا. ويعترف له بأنه تعلم منه منظومة الأخلاق والآداب والدين، وأن لمعلميه أيام زمانه كان لهم الأثر الكبير في نشأته.
واللافت في هذا الفتى أنه قضى طفولته ومراهقته وشبابه في مدينه إسلامية يصفها أنها كانت مغلقة؛ هي مدينة الكاظمية، بكل ما تحمله المدن الإسلامية من انغلاق على الآخر، نتيجة المماحكات الفكرية والسياسية والعقائدية.
ومع أنها تركت على نمط تفكيره أثراً جعله يندفع مع الباقين، مع القطيع من دون تفكير بالتفرد، لكنه أدرك بعد حين أن الحياة لا يمكن أن تكون سعيدة ومفرحة إذا كانت بلون واحد، وأن طيف الألوان هو الذي يجعل الحياة بهيجة وسعيدة.
وهذا الوعي الإنساني المبكر، هو الذي دفعه إلى أن يعيد النظر في طريقة تفكيره، لا سيما بعد أن تخصص في محاكمة الفكر الديني والتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، بأن يحاور ويحاكم (عقائد) ترسخت في العقل العربي عبر أكثر من ألف سنة وكأنها مسلمات، محاكمة أكاديمية حداثوية متطورة تقوم على المنطق والعقل والحياد.
ما كان ولن يكون الأمر سهلاً أن تنتقل من ضفة نهر المعرفة إلى الضفة الأخرى، وتمشي وحيدا، بينما الملايين في الضفة الأخرى يمشون قطعانا. لكن الشاب (صالح) اكتشف في هذا العبور.. منطقة واسعة جدا ومبسوطة ومريحة بين ما صار يسمى اليمين الإسلامي واليسار الإسلامي، وأدرك أن أفضل طريق بين مناطق الاحتكاك والتماس والتشدد أو التعصب بمفهومه السيكولوجي؛ هو أن يتمتع بالاعتدال، ولا يكون محسوبا على هذا أو ذاك، ويحذر من (الدوغماتية)، التي شغلت مناطق الاحتكاك والتماس، بين ما يمكن أن نسميه اليمين الإسلامي واليسار، وهي محنة أصيب بها كبار المفكرين في الإسلام عبر التاريخ.
ولقد انجز داعية التنوير الإسلامي العلمي (81) كتابا معظمها تحاكم نقاط الخلاف بين اليمين واليسار الإسلاميين، ليخرج بموقف فكري يرى أنه الصائب، وما دونه خطأ وباطل. والتقط أخطر إشكالية فكرية هي (النص المقدس) ليحلل ويناقش أثره بأربعة مؤلفات في صناعة: (عقيدة التكفير، عقيدة التهجير، عقيدة المثلة وقتل البشر، وعقيدة قتل المرتد).
والمدهش أنه اثبت أن كل هذه العقائد التي تؤمن بها المذاهب الإسلامية على اختلافها إيمانا منقطعا، وترفض مناقشتها تحت اي ظرف.. لا أصل ولا أساس لها في العقيدة! وانها ولدت بسبب المماحكة والتنافس بين المذاهب وبتأثير سياسي خالص، قاده الاسلام السياسي.
وجاهر (الرجل) أمام جمهور مختلف الاعتقاد: (إن الدين الذي نتعبد به اليوم ليس الدين الذي جاء به محمد، لأنه تعرض إلى كثير من التغيير الذي تسبب في تشويه صورته الإنسانية).
ومع أنه أغضب جماعتي اليمين واليسار الإسلاميين، إلا أنه واصل منهجه العلمي
الذي به يصحح ما تركه السلف واعتبروه مقدسا، لأنه رأى فيهم أنهم أقل منا فكرا واجتهادا وامكانيات، لا بسبب قصور عقلي، وإنما بسبب ما توصل له العلم اليوم من تطور هائل، وصل الآن الى ابتكاره الذكاء الاصطناعي، لدرجة أنه يمكننا ان نسمع الآن خطبة لعمر بن الخطاب بصوته!
ومع أن الدكتور صالح يدرك أن الجامدين على النص والمتطرفين والراديكاليين لا يعجبهم هذا الامر، لأن اغلب الكهنة يتاجرون بدمعه المسكين لتحقيق مآربهم الخاصة كما يصفهم، وانهم سيخسرون الكثير من المكاسب إن تخلص اولئك المساكين من ثقافة القطيع.. فإن ما يعجبك في هذا المفكر الإسلامي (الدكتور صالح عبد حسن الطائي) أنه ماضٍ في تحقيق مشروع كبير يشبه مشروع (أثر النص المقدس)، ولكنه يخص العقائد الإسلامية المختلف بشأن أدائها،
مثل: أداء الصلاة، الآذان، الوضوء وهي مسائل عقدية اختلف المسلمون بشأنها اختلافا كبيرا وغريبا، رغم أن النبي عملها أمامهم على مدى عشرين عاما.. وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة.