تصنيف الرواية

منصة 2023/07/17
...

  ضحى عبدالرؤوف المل


تنطوي علاقة الرواية الشعبية بالرواية الأكاديمية على جدليات ترتبط في مجملها بجسر أدبي يربط بينهما من حيث قدرة عمل الرواية الشعبية على الإنتشار، والأخرى على تحقيق المعايير الأكاديمية في الأدب، والتي تروي كل ما يتعلق بالواقع، ويتحدى به الكاتب الذائقة الشعبية، والآخر المرتبط بالمعايير الأكاديمية المدروسة والمرتبطة أكاديميا بالعقيدة الكلاسيكية للأدب بعيداً من الخروج عن الإنتقاضات الجزئية التي حققتها بعض الروايات عن كل ما يتعلق بالخطاب التحليلي النقدي إن صح القول أو إفلاتها من البلاغة، وكلاهما يصنف عملا روائيا، وإن انفصل واقع كل منهما أكاديمياً عبر العديد من المصطلحات الشائعة نقدياً. 

إلا أن القارىء يتعلق فطرياً بما يقترن بمجتمعه أو بالأصح الأقل تعقيداوالمتداول بشكل أوسع بين عامة الناس، فهل يمكن المقارنة بينهما والأولى فرضت نفسها وبنجاح شعبي كبير؟ وهل هناك من تصنيف أكاديمي يجعل من الأولى شعبية والأخرى برجوازية أكاديمياً إن صح التعبير؟ وهل كل هذا لا ينفصل عن كونه حساسية أدبية سببها أن الرواية الأكاديمية تحتاج لدقة في المعايير من سبك وحبكة وسرد واسلوبية وبناء، أي قدرة أسلوبية على بناء النص المسبوك لغوياً بمتانة بعيداً عن الترهلات المنصوص غليها فنيا في النقد وقواعده الاكاديمي، وغير ذلك من الألفاظ التي تناولها بعض من النقاد الأكاديمين؟ أم أننا نتعاطف بشكل أكبر مع الرواية الشعبية وعفويتها في السرد غير المعقد، والسلس بالنسبة للقارىء الذي يبحث عن البساطة في كل شيء؟ وما الذي يجعل الرواية الشعبية في علاقة شائكة مع الأدب وبشكل متزايد أكاديمياً؟

إن الإهتمامات الجمالية بالشكل الروائي تتعلق بالصفة الأدبية التي نربطها بقيمة العمل الروائي كنص أدبي يتم تشريحه على طاولة النقد الأدبي، والخطوط الأساسية التي تُشكل الخصائص الرئيسية لكل منهما، ناهيك عن تلك التي تتتمتع بشعبية كاسحة، وتهدف للوصول إلى لب الموضوع المطروح شعبياً، لمعالجة فئة معينة من الناس.

بل والدخول إلى بيئة ذات خصائص لا يمكن أن يعرفها إلا من توغل فيها، وعاش بين أزقتها وحاراتها أو أماكنها، وغالبا نجد منها البوليسي والمغامرة والخيال، وحتى النوع الرومانسي الذي لم يكن موجوداً بقوة قبل نهاية القرن التاسع عشر ومن ثم أشاد به جمهور القراء في القرن العشرين وما بعده. 

إذ يسهل قراءاته لأنه يمثل تعبيراً ينتمي شعبياً إلى مصطلحات لا يدركها الأدب نفسه، ولا يعترف بها خاصة لاعتبارات كثيرة وإن اشادت به به النساء أكثر مثل مدام دي ستايل في العصر النابليوني، كما أنه أسلوبيا  انتفض على الرواية الأكاديمية، لأنها تتكيف سرديا مع قراء يستهدفهم الكاتب، وينجح في التقاطهم عبر روايته التي يعتمد فيها على السياق اللغوي المألوف، وبشكل محايد. 

واسمحوا لي أن أقول إنه قد يستجيب بشكل احتيالي على توقعات القارىء. 

فهل اثارة زوبعة شعبية عند القارىء من خلال الرواية التي تنتمي له هي تحديات روائية لناقد أكاديمي لا يعترف بالرواية الشعبية وأسلوبها الذي يستجيب لتوقعات القارىء؟  أم أن المشاعر والعاطفة التي يشحنها لتؤثر على القارىء هي السبب في نجاحها؟  ومتى يرفض القارىء الدخول في متاهات الفكر الإنساني في الرواية الأدبية؟ وهل من ذوق سىء في نجاح الرواية الشعبية؟

يرتبط المحتوى الروائي الأدبي الأكاديمي إن صح القول بالشكل القادر على تفكيكه الناقد، ليكون نموذجا نقديا يُحتذى به بعيداً عن اللغة البسيطة والسرد المعقد، 

وفرضيات تحليلية بعضها ملغز وآخر يروق للقارىء من حيث الأسلوب والاهتمام بالشكل الأدبي المنسجم جوهرياً مع الأفكار دون الإنحراف عن المستويات الأدبية المعروفة نقديا، والتي تحدث عنها الكثير من النقاد ووضعوا لها الأسس 

والقواعد التي يجب أن يلتزم بها الكاتب أكاديمياً، وإن ابتعد كلياً عن ما هو متوقع أو معقول وكلما زادت عدم توقعات القارىء، كلما نجح الكاتب في رسم زوايا جديدة في الرواية الأكاديمية، وإن لم يستمتع القارىء. 

فهو دفع به للتفكير، وربما استفزه في التعمق في تفكير بموضوع معين بعيداً عن كل التوقعات التي لا يستجيب لها الكاتب للرواية الأدبية الأكاديمية المخطط لها مسبقا، للإمساك 

بالأفكار وتوجيهها نحو الفكرة الأساسية التي انطلق منها الكاتب، كما هي الحال في روايات لروائيين دخلوا الأكاديمية الفرنسية واستطاعوا اختراق الأكاديميات الأدبية مثل أوكتاف 

فوييه سابقا وأمين معلوف لاحقاً، ولكن يبقى السؤال ألم يكن الروائي نجيب محفوظ عربياً يمثل الجسر 

المتين والقوي روائيا الذي استطاع الجمع بين الرواية الشعبية والرواية الأكاديمية؟ أم أن احسان عبدالقدوس استطاع القفز روائيا وقدم الرواية الرومانسية وجمع بين الصنفين الشعبي والأكاديمي؟