نجوى السهيل
تتألف البنية من شكل ومضمون، فلكل عمارة تبنى، باب وجدران وواجهة جميلة، تطل بها شامخة على المدينة، تتوسط سواها من عمارات موازية ونظيرة، شريطة ان تضم بين أروقتها وممراتها، ما يجعل
الداخل من زهو الواجهة الساحرة، عبر بوابة فارهة، يجد ضالته ويصل الى ما يريد، من حيث مكاتب وشقق ومقرات الشركات، الموجودة فيها.
وتلك هي حال الحضارات، التي شبهها إرنولد توينبي، في كتابه “تاريخ العالم” بالطفولة ثم الشباب فالهرم والشيخوخة والموت، قارنا مراحل عمر الانسان، بالزمن ومعطياته، وتلك إشارات ثقافية وجمالية وعلمية وخدمية ورياضية وصناعية وزراعية وتجارية وسياحية، من مجموع تعاشقها التركيبي، تنشأ المجتمعات.
نحن في العراق، لا يسعنا الحديث بشأن الخدمات، لذلك نمكث في نطاق الجمال، ومعطيات الثقافة، التي تتوزع بين خمسة أقانيم: الفن والادب والاكاديميات الجامعية والاعلام والثقافة الجماهيرية.
والفن من بينها له الكأس المعلى؛ لأن الإقبال الجماهيري عليه، بوسع الرخاء الاقتصادي.. طردياً؛ كلما عاش المجتمع مرفهاً، زاد الطلب على كرة القدم والافلام السينمائية والاغاني والمسلسلات التلفزيونية، أكثر من سواها.
وبغياب دور السينما، سينقطع نهر ذو غزارة ماء متدفقة، لا جدوى من الانتاج المحلي، ولا استيراد الافلام المنتجة في الخارج.. عربية او أجنبية.. على حد سواء. تكررت الشكوى من غياب دور العرض السينمائي.. لا جديدة تنشأ والقديمة هدمت او تحولت الى متاجر ومحال او مكبات للازبال، وبهذا انقطعنا عن معطى تجب المبادرة الى وصله بثقافتنا المجتمعية. والحل ليس عسيراً؛ بالاستثمار كل الاحلام قابلة للتحقق، والحلول جزء من أحلام توقظ سبات المجتمع من كابوس الحاجة للتماهي مع الحضارة المعاصرة، التي ترفل في عز شبابها و... شخنا.. لا جدوى! فهل من شباب يوقظ التهرؤات الجاثية على وجودنا؟
ولأن غياب دور السينما يعيق واحدة من وسائل التثقيف الاجتماعي، التي تحدثنا عنها.. أعلاه؛ فإن إستعادة ما تهرأ أمام عوامل الزمن ومخالب الاهمال، وترميمه، واستحداث دور جديدة.. تضاف الى تلك التي تحولت الى خرائب خاوية، بعد ان كانت صروحاً شامخة، يعيد التقليد الاجتماعي الرفيع الذي تعودته العائلة العراقية سابقاً، وهو السهرة السينمائية، في “لوج – مقصورة” تعيش فيها الاسرة أجواء الفيلم وحتى تتناول طعامها، وسط مجتمع راقٍ تحت رقابة أمنية لا تستفز أحداً يجلس بإحترام، إنما تظهر وقت اللزوم لفض أي إشكال بأيسر الطرق التي لا تعكر الاجواء، بينما صفوف الشباب تنتظم مقاعد على طول صالة السينما وعرضها بجمال ساحر.
ما يؤيد حماسي لعودة دور العرض الشامخة في بغداد والمحافظات، هو النجاح الباهر الذي حققته قاعات العرض السينمائي البسيطة في المولات؛ ما يدل على ان التجربة ناجحة جماهيرياً، وعلى وزارة الثقافة والسياحة والاثار، التعاقد مع القطاع الخاص من منظور رسمي لا يسمح بخروقات تجارية على حساب الرفعة الثقافية، شريطة الا تتقاطع مع المستوى الجمالي في الترفيه المعرفي؛ لان السينما من اهم وسائل التثقيف الاجتماعي، إذا سلمتها الدولة للقطاع الخاص تحت إشراف واع من اكاديميين يؤمنون بالسياحة الفنية المتحررة، التي ترتقي بالمجتمع وتوفر له التسلية النافعة.. المدروسة بما يلبي حتى حاجة المراهقين وربات البيوت والاساتذة الجامعيين.
هذه الخلطة المترامية المصطلحات، ليست معجزة للمتخصصين؛ لانهم قادرون على إستيفائها ميدانياً بشكل عملي، مثل “الشعرة من
العجين”.