في كتابه القيّم، الغناء العراقي، وهو دراسة شاملة وموسّعة عن كافة الوان الغناء العراقي، نصوصاً والحاناً وتدويناً موسيقياً، يكون الاستاذ الباحث ثامر عبد الحسن العامري قد توافر نتيجة بحثه المعمّق، على عيّنة رقيميّة موسيقية/غنائية نادرة (لوح طيني)..، تؤكد أنَّ المنبع الاساس للموسيقى والغناء هوَ بلاد الرافدين (ميزوبوتاميا) حيث الحضارات: السومرية، البابلية، الاكدية، الآشورية .
لقد استطاع الباحث – وانا هنا استعير بعض ما قاله بتصرّف محدود – ان يكشف عن توصّلات الكثير من الباحثين بما يعزز هذه الحقيقة الموسيغنائية، وبما يُغني ثقافتنا الشعبية والاكاديمية على السواء. ومن بين اولئك الباحثين السيدة (آن كلمو) استاذة علم الدراسات في جامعة كاليفورنيا، والتي حلّت الرموز المكتوبة بالحروف السومرية، تلك الحروف التي تم اكتشافها في خمسينيات القرن الماضي بين اطلال (سومر)..، مؤكِدة على انها تُمثّل (نوته) لترتيلة غنائية تُمجّد الآلهة في الهيكل السومري
آنذاك . كما انَّ الباحث (ريتشارد كروكر) استاذ الموسيقى في جامعة كاليفورنيا، قد اكتشف مخطوطة موسيقية يعود تاريخها الى اكثر من ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وقد عزف تدوينها النغمي السومري في جامعة (بير كلي) على اوتار قيثارة سومرية قديمة، بعد ان حلّت رموز التدوين الباحثة (آن كلمو).
إنّ المخطوطة الموسيقية كانت مكتوبة على الواح باللغة (الحورية)، والحيريون هم سلالة من اقوام العراق القديم، وكان ظهورهم على ضفاف نهر دجلة في مطلع الالف الثاني قبل الميلاد .كما اكتشف باحثون اخرون الكثير من الرقم الطينية، وقد وجدت منقوشة على جدران القصور السومرية بأكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، هي الشواهد التي تُثبت انَّ الانسان العراقي القديم هو الأول في صناعة الآلة الموسيقية وتدوين انغامها .
وفي مراحل قديمة من مسار التاريخ، تم اكتشاف بعض التدوينات الموسيقية السومرية المكتوبة بالخط المسماري، وقد اتضح انها من تراتيل الهيكل (تنفي الهم عن المدينة، تُسكّن القلب، وتهدئ العواطف، وتمسح الدمعة من
العيون).
الباحث الدؤوب الاستاذ ثامر عبد الحسن العامري استطاع ان يعزز دراسته بصورةِ نص اغنية دوّنت على رقيم (لوح طيني) باللغة الحورية يعود تاريخها الى 1400 سنة قبل الميلاد (صورة رقم 1) ..، وكذلك صورة رقيم طيني للأغنية مكتوب باللغة السومرية (صورة رقم 2)..، فضلا عن صورة تُمثّل حل رموز الرقيم الطيني للأغنية بـ (النوته) الحديثة (صورة رقم 3) ..، وبذلك، ومن خلال هذه المقاربات، تمكّنَ ان يجس التأسيس العراقي القديم في مجال الموسيقى والغناء والتدوين الموسيقي، ويكشف عن مديات التأصيل والتواصل والاستمرار مؤكداً براعة الانسان العراقي ودوره، قديماً وحديثاً، في تشكيل المكونات الحضارية الانسانية...