في يومها العالمي: هل الصداقة موجودة؟

منصة 2023/07/31
...

  مآب عامر                            

يحث اليوم العالمي للصداقة أو اليوم الدولي للصداقة في 30 يوليو من كل عام، على الاحتفاء فيه بالصداقة {لإدراك جدواها وأهميتها بوصفها أحد المشاعر النبيلة والقيمة في حياة البشر في جميع أنحاء العالم}. وتركز الأمم المتحدة عبر الاحتفاء بهذا اليوم على العلاقات المبنية على الثقة، وكيفية تقوية أواصرها غاية في الاستقرار الذي يدفع إلى عالم أجمل.. ولأن {الصداقة هي أهم شيء في الحياة} كما يقول الفيلسوف أرسطو، فإنها أقصد الصداقة ليست مجرد تكملة لنشاط اجتماعي، بل هي وجه آخر لوضع إنساني.

رغم اختلافه وتكراره الذي يحدد حالة متميزة، ومفهوما خاصاً للعلاقة.. ولكن ماذا يقول الفرد العراقي، وكيف ينظر لعلاقة الصداقة، وهل هي بالفعل موجودة في مجتمعنا؟.

يرى الناشط البيئي أمجد الهلالي أن الصداقة من الأمور المهمة بالنسبة له، ولكنها لم تعد كما السابق، إذ إن هناك اختلافات كبيرة قديما وحديثاً، فالصديق الذي تربيت معه منذ نعومة أظافرك وتعرف عنه كل شيء، وهو أيضا يعرف عنك كل شيء. لم يعد له وجوداً. 


نعمة من نعم الخالق 

ويصف أمجد الهلالي نفسه بأنه شخصية اجتماعية، وله الكثير من المعارف، الذين تجمعهم معه علاقات محبة واحترام متبادل. 

ويعتقد أن فكرة الصداقة من الأمور المقدسة، كما يضيف أن "أصدقائي أذكرهم في أوقات الحزن قبل الفرح، ولكن بعد هجرتي إلى أوروبا تبدل الحال، حيث فقدت رفاق دربي القدامى، ولم أتمكن من الحصول على أصدقاء جدد، لأن العلاقات اليوم اصبحت تدور حول المصالح المادية "أصدقاء الغربة ليسوا أصدقاء بحق هم يختلفون".

ويتابع: علاقتي بأصدقاء الغربة  مبنية على المصلحة، وليس هذا ما احتاجه، "نحن نحتاج الى صديق يكون أباً وأخاً وصديقاً ناصحا، تجده بكل وقت  ليس ماديا وغير أمين". 

فالصداقة بالنسبة لي، كما يؤكد، هي  اختيار المكان الذي يكون فيه أصدقاء جيدون أولاً، ومن ثم اختيار الصديق، الذي تتوافر فيه مواصفات خاصة، حتى يعتبر صديقاً، مواصفات منها ليس مادياً، ولا يوجد شيء يمنعه من الوقوف بجانب صديقه الآخر معنياً.. فالأصدقاء الجيدون نعمة من نعم الخالق وزوال هذه النعمة يعني الحزن، وفقدان لذة الحياة التي تكمن بفقدان الأصدقاء.. الأمر الذي يدفعني أحيانا للسؤال عن الخلل: هل هو لديّ أم 

لديهم؟. 

ويسرد أمجد تجربته بأنه ائتمن مفاتيح بيته عند صديق مقرب وسافر لمدة شهر، وعند العودة لاحظ مسروقات داخل البيت واهمها طائرة التصوير. ويصف صعوبة عدم القدرة على الوثوق بالصديق، على الرغم من تعلقه بالصداقة، لكنه يرى أن الأصدقاء أول الطاعنين "أنا على استعداد أن أفدي صديقي بروحي عندما يستحق ذلك". 


كلمة كبيرة

عباس نعمان لا تختلف نظرته عن الصداقة والصديق مع الشاب أمجد من حيث الشروط. ويصف مفهوم الصداقة بأنه علاقة إنسانيّة واجتماعيّة بين شخصين أو أكثر، وهي مبنيّة على الصدق، والمحبة، والتعاون، والإخلاص، والتفاهم، والثقة، وتنتهي الصداقة بفقدان أحد هذه الأركان.

الصداقة الحقيقية بالنسبة لعباس كالعلاقة بين العين واليد، إذا تألمت اليد دمعت العين! وإذا دمعت العين مسحتها اليد... الصديق الوفي هو الذي يمسك يدك بقوة عندما تقول له أريد أن أبقى وحيداً... الصداقة هي أن تجد الروح، التي تظهر في كلمة طيبة في دعاء من القلب  فيهمس به وقت الشدة، لأن الصداقة بسمة وقت الفرح، ودمعة وقت الحزن.. الصداقة هي الاحترام وهي أن تفتقد صديقك إذا غاب.. الصداقة كلمة كبيرة جدا لا تقاس بكثرة السنين، وإنما في قوة المواقف وشجاعتها.


مساحة آمنة

أما علي رياض تايه، فيقول إن "الأصدقاء في حياتي يشغلون حيزا كبيرا، لا سيما أنني ولدتُ بلا أخوة، فقدتُ أثنين من أخوتي بسبب خطأ طبّي تكرر، وهكذا نشأتُ في بيئة حريصة على اختيار الأصدقاء، وكلما تقدّمت في العمر صرتُ حريصًا اكثر، فالسنوات لا تمنحك النضج، وإنما اللحظات هي من تمنحك المسؤولية، مسؤولية كيف يمكن للمرء أن يتشارك يومياته، ذوقه الموسيقي بالدرجة الأولى، والإصغاء، أحب في أصدقائي إصغاءهم، مشاركة الأفكار، تبنّي موضوعك، التوجيه، فالمحبّة تتجلى بهذه الصفات". ويضيف تايه: لم أتعرّف على شعور وجود الأخ، لذلك لستُ ممن يصنّف الأصدقاء على أنهم أخوة، لكن يمكنني تصنيفهم على أنهم مساحة آمنة للمشاركة، وأقول دوما لصاحبي الأقرب ، بيني في الحب وبينك ما لا يقدر واشٍ يفسده.

ويتساءل: فهل يا ترى هكذا هي الأخوّة؟

ويجيب نفسه: بشغفٍ جميل أمارس عادتي بإرسال نصوص أدبية فيها من تفاصيلهم، التي أشعر بأنني الوحيد من ينتبه إليها ولا يفهمها سواهم، أشعر بأنها طريقتي الأكثر صدقا للتعبير عن مكانتهم في روحي، من بعد الكلمة الشجاعة في المواقف الحقيقية. ويشير إلى أن الأعياد هي دعوة علنية أن نمنح المحبة لمن يستحقها، والمحبة لا شكر عليها، لأنها فِطرة المجتمعات الطيّبة، 

وفقاً لرأيه. 


مضيعة الوقت

من جهتها، ترى آيات عبد الرحمن أن الكثير من الناس عندما نسألهم عن الصداقة يقولون "لا توجد صداقة"، على الرغم من أننا محاطون بهم دائما وحتى اثناء الضحك والمرح، وإن كانوا يكذبون أو يبالغون أو يمزحون.  وتقول: الصداقة الآن أصبحت لمضيعة الوقت، على الرغم من أنني كنت أظن أنها عطاء.. وهي كذلك في التضحية من أجل الصديق. 

وتسرد مثلاً على ذلك، وهي تضيف: اذا تعرض الصديق للسقوط، كنت أنا من يمسك به ويسانده في معاناته هذه، ولكن مفهوم الصداقة في وقتنا الحالي أصبح مختلفاً، فالمصلحة المادية هي المتصدرة في المركز الأول، ومن ثم مصلحة العمل إلى آخره من المصالح المتبادلة وغير المتبادلة.   

اليوم أصبح الصديق عبئا على كل من حوله، لا نتمكن من الثقة به بسهولة، حتى وإن كانن بيننا أعوامٌ طويلة من التعارف، فكثير منهم يكون وجوده مؤلماً كأداة حادة يقوم باستخدامها ضدك، ويكون هو أول من يطعن، بحسب رأيها.