العراق في منظور ادارة ترامب

آراء 2019/04/29
...

ابراهيم العبادي
شغلت تصريحات وتغريدات السفارة الاميركية في بغداد، الرأي العام العراقي، وأثارت ردود افعال مستغربة  ومستنكرة وبعضها غاضبة مهددة، فلم يعهد من بعثة دبلوماسية ممارسة لغة هجومية وهجائية ضد بلد ثالث مثلما تفعل السفارة الاميركية، مع علمها الاكيد  ان هذه المواقف تستثير ردود افعال لدى شرائح من العراقيين تتخذ  موقفا رافضا ومعاديا للسياسة الاميركية، ما عبر عنه القائم بأعمال السفير الاميركي في بغداد جوي هود من موقف تهديدي ضد بعض الفصائل العراقية، وما حملته تغريدات السفارة من حملة دعائية مضادة للزعيم الايراني السيد علي خامنئي، تشي بأن سياسة التصعيد الاميركية ضد ايران تسير وفق مخطط مدروس، وان السفارة  الاميركية في بغداد  لم تعد كما في السابق حذرة في المواقف والتصريحات وبعيدة عن الانغمار العملي والعلني بما يصدر عن البيت الابيض او البنتاغون من مواقف وتصريحات ضد ايران، فمسؤولو الادارات السابقة كانوا على  وعي  بخصوصية الحالة العراقية وتعقيدها، وكانوا حذرين الى حد ما  وغير راغبين  في زيادة حالة الاضطراب والتشنج السياسي اقليميا،  المضرة باستقرار العراق  وحلحلة مشاكله، المواقف الاميركية الجديدة، لم تعد تأخذ هذا العامل بالحسبان وهي ماضية في رفع وتيرة التصعيد دونما قلق من ارتدادات هذه المواقف والتصريحات امنيا وسياسيا في العراق . ماذا يعني ذلك؟ الامر ليس مصادفة ولا ناجم عن قلة خبرة، بل ينبغي التفتيش في عقلية مخططي ومديري  السياسة في واشنطن، فوزير الخارجية بومبيو احد صقور الادارة، يؤمن ايمانا راسخا، بأن السياسة الخارجية وبضمنها عمل السفارة في بغداد يجب ان يكون هجوميا وصريحا لا يداري وضع العراق ولا يساير ما دأبت عليه الادارتان السابقتان لجورج بوش الابن واوباما، كان العراق مشكلة اميركية، سياسية وأمنية وستراتيجية وكانتا تفكران بالتعامل معه وفق هذا المنظور، في عهد ادارة ترامب، لم يعد العراق سوى مشكلة الادارات السابقة، وقد تم تجاوز آخر المحذورات باعلان الانتصار على داعش  في شباط الماضي حيث كانت ادارة ترامب تستعجل هذا الاعلان لهدف صار واضحا، وبالتالي لم يعد العراق بالدولة  المحتاجة الى الرعاية والحضانة السياسية والامنية، لقد صار عليه ان يسدد الاثمان والديون  كما تتصور ادارة ترامب ذات العقلية الزبائنية، واوضح مصاديق هذا الدين هو ان يكون جزءا من السياسة الاميركية في المنطقة وليس خارجها. ادارة ترامب اخرجت العراق من سلم الاولويات الخارجية السابقة وصار ضمن الملفات الثانوية، فمشاكله السياسية والامنية والاقتصادية هو المعني بحلها، والاميركان باتوا غير ملتزمين بشيء الا بمقدار ما يحقق لواشنطن مصالح جيو ستراتيجية، هذا التبدل في الموقف الاميركي هو الذي جعل السفارة في بغداد اكثر جرأة واعلى صوتا، ويبدو انها باتت مستعدة لتلقي التهديدات الكلامية والعملية من خصوم هي تعرفهم وتضعهم على لوائحها،  الحكومة العراقية التي تسعى الى تحييد العراق وابعاده عن شظايا  الصراع الاميركي - الايراني وارتداداته وامتداداته، تواجه مهمة في غاية الصعوبة، فهي تبذل مساعي في منطقة رمادية بين خصوم لا يريدون ترك العراق يعالج ازماته ومشاكله بدون ان تضاف لها مشكلات الصراع الجديد في المنطقة، الدبلوماسية العراقية تحتاج الى قوة دفع ونشاط اكبر لشرح وجهة النظر العراقية لدى الفاعلين المؤثرين في المؤسسة الاميركية الحاكمة، السفارة في واشنطن لا تستطيع ان تقوم بالمهمة لوحدها،  والاتصالات الهاتفية بين واشنطن وبغداد،  غير كافية ايضا لترسيم صورة متكاملة عن الحرج العراقي، المتابعة والمثابرة وبيان كلفة المخاطر  ربما تصل الى اذن ترامب، غير ذلك يعني ان الثنائي بومبيو -بولتن، سيسدان اذانهما عن كل صوت عراقي يدعو الى ابقاء العراق ضمن الاولويات التي تحتاج الى رعاية خاصة وليس الى مجازفة رعناء.