هناء العبودي
أقامت منصة الفنون الشعبية (فولكلور) في بغداد مدينة الابداع الأدبي - اليونسكو ندوة حوارية بعنوان (أساليب الرثاء الحسيني وتقتنياته) ضيفت فيها الأديب صادق الربيعي والفنان سامي هيال تحدثا عبرها عن الأساليب الشعرية المختلفة في الرثاء الحسيني الفصيح الشعبي، والردات الحسينية وقدما خلالها نماذج مختلفة راجت عبر العصور.
وفي الندوة التي أدارها مدير المنصة في بيت الحكمة الباحث التراثي عادل العرداوي، تحدث بداية صادق الربيعي عن المراثي الحسينية التي تعتبر الاعلام الأساس والوحيد في الجزيرة العربية، والتي انتقلت بعد ذلك إلى العراق وثم الشام، أي عن طريق الشعر العربي الفصيح (شعر القريض)، إذ لم يكن هناك شعر شعبي إلا في القرون الأخيرة.
فالشعراء العظام الذين خلدوا الحسين بعد استشهاده تنتقل أشعارهم من مدينة إلى مدينة أمثال دعبل الخزاعي والكميت والفرزدق وكثير من شعراء الجزيرة العربية وشعراء العراق، إذ كانت هذه القصائد بمثابة منبر إعلامي، لنقل أحداث نهضة الحسين ومسيرة الحسين ومقتل الحسين، إلى أن وجد في العراق فرصة (المراثي الحسينية)، والتي كانت أكثر عطاء للعبرة لقضية الإمام الحسين عليه السلام لأنه مدفون في العراق، وهذه المراثي تأتي عن طريق امرأة في بغداد اسمها (خلة)، والتي تردد ردات حسينية وممكن أن نقول إنها نشرت قضية الحسين إلى كثير من البلدان، إلى أن وصل خبرها إلى أحد الحكام قام بإعدامها كان ذلك قبل مئة عام.
المراثي الحسينية تعد نشيدا وطنيا، فعلى سبيل المثال لو أخذنا قصيدتين مهمتين إحداهما للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (من الشعر الفصيح)، والثانية للشاعر الشعبي عبد الرسول محيي الدين، فقصيدة: (يا حسين بضمايرنا صحنا بيك أمنا/ لا صيحة عواطف هاي ولا دعوة ومجرد راي).
حيث كتبت هذه القصيدة عام 1976 وقرأها ياسين الرميثي في ديالى عام 1977 حينها سجن ونفي وأعدم أولاده الثلاثة، لقد كانت بالفعل قصيدة مدوية هزت أركان الظلم والظلام من زمن يزيد إلى النظام المباد.
بينما تحدث الأستاذ سامي هيال إن هذه الردة هي من نغم (البيات)، وهذا النغم من أكثر الأنغام شيوعا في الردات الحسينية، لأنه يحمل بين طياته الحزن والفرح، وما زال الحزن مخيما حتى في أغاني الفرح، تحمل طابع الحزن في العراق منذ السومريين ولغاية الآن، حتى أغاني الفرح تحمل ذلك الطابع وكذلك الموضوع ينطبق على بقية الأنغام كالسيكاه والبيات والصبا والحجاز وغيرها، وكذلك الحال ينطبق على
الأغاني البدوية، وكذلك الأغاني الكردية المشهورة بالطبقات العالية نتيجة البيئة الشمالية الباردة.
أما القصيدة الثانية في الحسين للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري والتي كتبت قبل اكثر من خمسين عاما بماء الذهب على الباب الرئيس، الذي يؤدي إلى الرواق الحسيني الطاهر في كربلاء والتي مطلعها: (فداء لمثواك من مضجع/ تنور بالابلج الأروع/ ورعيا ليومك يوم الطفوف/ وسقيا لارضك من مصرع/ شممت ثراك فهب النسيم/ نسيم الكرامة من بلقع).
وهذه القصيدة موجودة ضمن كتاب (قصائد خالدات) مجموع فيه أكثر القصائد، التي قيلت بحق الإمام الحسين عليه السلام كقصائد الفرزدق والحميري والحلي ودعبل والجواهري كما اسلفنا.
ونوه صادق الربيعي بأن هناك قصائد شعبية تقرأ على شكل ردات حسينية، مثل قصيد المرحوم رحيم المالكي، والتي انشدها عام 1998 والتي يقول فيها:(شلون تجري ومايك ازرك يا فرات/ وانت مو ذنبك ذنب يفطر سما/ سابكت بالطف على حسين السيوف/ ومايك اول سهم في صدر الرما طاح ابو السجاد يم جرفك شهيد بين سيفين العدا وسيف الظما / جان مايك أشد كل السيوف/ إثر على حسين حيل والكل).. وإلى آخر القصيدة التي ألقاها على شكل ردة حسينية الشيخ المرحوم عماد البديري..
وعن الكتاب الذي ألفه سامي هيال، الذي خصصه للردات الحسينية ولقاءاته مع أصحاب المواكب من خلال اختياره لعشرة مواكب لمدة ثلاثة أيام مهمة في محرم، وهي اليوم الثامن والتاسع والعاشر من محرم وهي ايام في أوج عظمتها، فاليوم الثامن مخصص للإمام القاسم، والتاسع للإمام علي الأكبر، والعاشر ليلة الوحشة، ولكل ليلة ردة خاصة، ولكل موكب رادود خاص به.
واستطرد هيال عن علاقة الموسيقى بالردات الحسينية بأنها علاقة وطيدة، ولذلك فالردات تشبه بعض الاغاني وأغلب الردات مأخوذة من نغم البيات والسيكاه والصبا.
وتحدث أيضا عن أبرز الرواديد القدماء مثل حمزة الزغير، الذي يتميز بصوت حسيني صادق ومرهف وعبد الزهرة الكعبي والنويني وياسين الرميثي وغيرهم كثير.. وقد حضر الندوة عدد كبير من المثقفين والكتاب والمهتمين، الذين أثروا الجلسة بمداخلاتهم القيمة.