حلّ أمثل لأزمة الكهرباء المستعصية أيام البلاد المشمسة.. طاقة مهدورة من دون استثمار
فجر محمد
مع اختناق البلاد بدرجات الحرارة العالية، وطاقة الشمس التي تكاد لا تغيب عن سماء العراق في جميع المواسم إلا ما ندر والصيف القائظ، وأزمة الكهرباء التي دخلت عامها العشرين من دون حلول جذرية، كل هذه الأمور دفعت سعيد ياسين إلى محاولة إيجاد منفذ له ولأسرته في فصل الصيف الحارق، خصوصاً في ظل الانقطاع المستمر وغير المبرمج للكهرباء مع وجود المولدات الأهلية التي أصبحت هي الأخرى مصدر معاناة للمواطن، ففي كل صيف تجتمع هذه العوامل لتجلد المواطن، في حين يكاد يتمتع العراق بشمس حارقة على مدار العام بالإمكان استثمارها وجعلها بديلاً ناجحاً عن الوسائل التقليدية المستخدمة، في توليد الطاقة الكهربائية.
وفي وقت سابق أعلن عدد من وسائل الإعلام، أن البلاد تتجه إلى استثمار الطاقة الشمسية ووفقاً لوزارة النفط فإن التعاقد على إنجاز هذه المشاريع قد تم بالفعل، وبحسب تصريح سابق للوزير فإن العراق على أعتاب مشروع جديد في قطاع الطاقة الشمسية، ويأتي هذا التوجه بحسب التصريح انسجاماً مع استثمار الطاقة البديلة، والتقليل من الانبعاثات السامة البيئية.
انطفاء غير مبرر
يجلس أبو عبد الله برفقة زوجته وأبنائه على ضوء متقطع لأحد أجهزة الشحن، وهم ينتظرون عودة التيار الكهربائي إلى الدار، بعد العطل الذي أصاب المولدة الأهلية التي تجهزه هو وجيرانه بالطاقة الكهربائية الذي استمر لأسبوع كامل، ويقول أبو عبدالله والعرق يتصبب من جبينه وصراخ ابنته الصغيرة شهد لا ينقطع: "فقدنا الأمل بشبكة الكهرباء الوطنية، ونحن اليوم نعتمد بشكل كلي على المولدات الأهلية التي أخذ أصحابها يستغلون هذه الأوضاع، ويتلاعبون بنا كما يحلو لهم ويطفئونها دون مبرر، في ظل الارتفاع المتزايد لدرجات الحرارة في الصيف".
صرح مرصد العراق الأخضر البيئي مؤخراً عن إمكانية سد النقص الحاصل في الطاقة الكهربائية، باستخدام الشمس التي تسطع في البلاد بدرجات حرارة عالية جداً، ولكنها تهدر مثلما يحصل مع نظيرها الغاز المصاحب. مبيناً أن البلاد تحتاج إلى 27ألف ميغا واط تقريباً لتكون خدمة الكهرباء مستمرة خلال اليوم، وهذا ما تستطيع الشمس توفيره، خصوصاً أنها تطل على البلاد، في 300 يوم على مدار السنة، كما أن شدة الشعاع وفقاً للمختصين تعطي 1000 واط لكل متر مربع، وهذا يعد وضعاً مثالياً بالنسبة للطاقة الشمسية. ووفقاً لعدد من الخبراء فإن وضع الخلايا الشمسية على سقوف المنازل، بإمكانه توفير 30 ألف ميغا واط من الطاقة الكهربائية.
طاقة وفيرة
يشير الأكاديمي والباحث الجيولوجي الدكتور احمد عسكر إلى أن العراق من البلدان التي تتمتع بوفرة الوقود الأحفوري والشمس المستمرة على مدار العام تقريباً، لذا فإن مستقبله بهذين القطاعين من الممكن أن يتطور أكثر مما هو عليه الآن. ومن الجدير بالذكر أن الطاقة الشمسية في الفترات المنصرمة لم تكن سوى حلم للكثيرين، أما اليوم فقد سارت البلدان المتطورة صوب هذه الطاقة المتجددة بحسب عسكر، وبدأت بتطويرها والاهتمام بها بشكل كبير. مبيناً أن تلك الطاقة ما زالت تشكل تحدياً كبيراً بالنسبة للعراق، خصوصاً أن الدراسات بينت أن البلاد التي تتمتع بأيام مشمسة مستمرة، هي الأكثر تعرضاً لموجات الغبار الذي يؤثر بدوره في الخلايا الشمسية ويقلل من كفاءتها، لذا فإن إدامتها شرط أساسي لنجاحها، ولكن بالرغم من ذلك فإن العراق يمتاز بكثرة أراضيه الواسعة والشمس المشرقة التي تجعله من أهم البلدان في هذا الجانب، إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح وأمثل، فمن الممكن أن تدخل تلك الطاقة في إدارة مشاريع الري وإدامة القرى والأرياف.
عصب رئيس
لا يمكن أن تعمل المصانع والمعامل، ومختلف المؤسسات ما لم تتوفر لها طاقة كهربائية ومع توجه العالم نحو الطاقة النظيفة، أصبح السير على خطى تلك الدول ضرورة حقيقية.
ومن وجهة نظر الباحث والأكاديمي في جامعة المستقبل البروفيسور الدكتور مؤيد عبد الحسين الفضل، فإن الطاقة بجميع أشكالها بمثابة العصب الرئيس للاقتصاد بشكل عام، وللصناعة بشكل خاص والمقصود هنا بجميع أنواعها سواء كانت الأحفورية أو الشمسية أو الرياح وغيرها، علماً أن النوعين الأخيرين يعرفان بالطاقة المتجددة، وبقدر تعلق الأمر بالطاقة الشمسية فهي محط اهتمام الكثير من المتخصصين في شؤون الطاقة وذلك يعود إلى أن أهم ما يميز بلدان الشرق الأوسط وبالذات العراق هو شروق الشمس بمعظم أيام السنة.
مضيفاً أن الكثير من دول العالم بدأت تهتم بهذه الطاقة، وأقرب مثال لذلك هو ما ذهبت إليه بعض دول الخليج وجمهورية مصر العربية، حيث إن هذه الأخيرة أقامت أكبر مشروع لإنتاج الطاقة باستخدام الخلايا الشمسية، إذ نشرت هذه الألواح على مساحة مليون متر مربع وهذا يعد الاستغلال الأكبر في العالم، إذ تم تقسيمها على شكل وحدات، كل وحدة تنتج 50 ميغا واط، وتم تأسيس 32 وحدة وبذلك كان مقدار الطاقة الكهربائية المتحققة هو 1465 ميغاواط، وهو ما يعادل 90 بالمئة من إنتاج محطة السد العالي، ومن الجدير بالذكر أن هذا الاستثمار شارك فيه عدد من الشركات الخاصة. وتم تسويق الإنتاج المذكور أعلاه عن طريق الشبكة الحكومية مقابل مبالغ مجزية.
تقليل الانبعاثات
يجد الباحث والناشط البيئي احمد صالح أن ضوء الشمس، هو من موارد الطاقة المتجددة وأكثرها فائدة ونفعاً للبيئة، وهذا ما دفع أهم الشركات مثل تسلا وتويوتا إلى التوجه لهذا الجانب، وإيلائه أهمية كبيرة.
وبحسب صالح فإن العالم يتجه اليوم إلى استخدام وسائل نقل نظيفة، وغير ضارة بالبيئة ما دفع أبرز الشركات المصنعة في العالم إلى الإعلان عن قرب طرح سيارات قادرة على قطع آلاف الكيلومترات بطاقة نظيفة وصديقة للبيئة، وتجدر الإشارة إلى أن الخلايا الشمسية تحتاج إلى الضوء كي تعمل وبكفاءة عالية، إذ إن حرارة الشمس لا تفي بالغرض من أجل تشغيل الخلايا الشمسية.
ويلفت صالح إلى أن احتراق الديزل، وعوادم السيارات هو من أكبر المسببات لتلوث الهواء، خصوصاً في بغداد ومراكز المحافظات، علماً أن الكثير من المصانع والمعامل متوقفة عن العمل، كما أن المولدات الأهلية التي تتوفر في جميع أنحاء البلاد هي عامل آخر من عوامل التلوث البيئي، وهناك توجه واضح من قبل الجهات ذات العلاقة لإشاعة ثقافة الطاقة المتجددة وهذا ما أوضحه صالح، متابعاً أن الكثير من الدوائر والمؤسسات الحكومية، تنشر خلايا شمسية على أسطحها، من أجل إشاعة ثقافة الطاقة البديلة.
ويتفق معه بالرأي الأكاديمي والباحث الدكتور احمد عسكر قائلاً: "هناك توجه ومبادرات من قبل شباب متطوعين، لنشر ثقافة الألواح الشمسية ولا بد من ترسيخها مجتمعياً، للاستفادة من تلك التقنيات التي غزت دول العالم والجوار، وفي حال استثمار تلك الطاقة بشكل صحيح فهي ستكون عاملاً مساعداً للوقود الأحفوري، ولمحطات الكهرباء التقليدية التي يجري العمل بها اليوم.
استمرارية
ويدعو البروفيسور الدكتور مؤيد عبد الحسين الفضل الجهات المختصة إلى الذهاب بهذا الاتجاه، أو تدفع الشركات الاستثمارية المحلية والأجنبية لغرض استغلال هذا النوع من الطاقة، أما على المستوى الفردي في المجتمع فيمكن أن تنشر هذه الثقافة في البيوت والمواقع السياحية والتجارية والصناعية، ويبلغ معدل كلفة المنظومة ذات الـ 15 أمبير ما يقرب من 4000 دولار بأقسامها الثلاثة الخلايا وما يعرف بـ Inventer والبطاريات. ويمكن أن تلقى هذه الطاقة نصيباً من النجاح في الواقع العملي، كونها تحافظ على البيئة ويمكن أن تقدم كهرباء مستمرة.
ولا يخفي الفضل أن هناك مجموعة من المعوقات التي قد تعترض هذا المشروع، ومنها آلية تنظيف الخلايا الشمسية من الغبار والأتربة، توفر الشركات الداعمة للتركيب والصيانة، فضلاً عن ضعف مستوى الثقافة المجتمعية في موضوع الطاقة الشمسية.