فتيات محبطات ونساء يغرقن بالكآبة الحياة ليست كما تبدو في مواقع التواصل

منصة 2023/08/20
...

  بغداد: نوارة محمد 


نوعٌ جديدٌ من الإحباط والكآبة ينتاب الفتيات اليافعات بسبب انتشار أنماطٍ حياتيَّة أقل ما يقال عنها إنها باذخة وغير مسؤولة، بطلاتها وجوهٌ نسائيَّة تحوز متابعات تفوق الخيال في وسائل التواصل الاجتماعي يلعبن أدواراً خياليَّة ويتباهين بأنماطٍ حياتيَّة مغشوشة لا أساس لها في واقعنا الاجتماعي الحزين المكبل بالصعوبات. إنهنَّ سيدات ممّن يُطلقن على أنفسهن ألقاباً مختلفة كإعلاميَّة أو فنانة أو سيدة مجتمع أو مدونة، يقمن بإنتاج سيلٍ من المحتوى السطحي الفارغ أسوة بالفاشينستات اللواتي يطرحن الأحلام المعلبة والورديَّة، وكأنَّ لا شيء في الحياة سوى هذا الادعاء الكاذب لأسلوب الحياة الهجين. فتيات اعتدن تناول الطعام الصحي في أفضل المطاعم، وقضاء أيام الصيف اللاهبة في أجمل جزر العالم، وهذا النوع من النساء لا يشغلهنَّ سِوى صالة الألعاب الرياضيَّة، والإطلالات اليوميَّة، مستعدات لتغيير طلاء أظافرهن ثلاث مرات في اليوم الواحد. وجاهزات لإقامة الحفلات بأي وقت. وفي هذه المنصات دائماً ما يظهرن بابتسامة عريضة ووجهٍ مفلترٍ خالٍ من الشوائب، الاسترخاء يحيط أيامهنَّ والمزاج العالي يكاد لا يفارقهنَّ، لا يشعرن بالملل مثلنا ولا يصبن بالإحباط. في الوقت ذاته يكشف لنا الهوس بمتابعة المشهورات عن إصابة الكثيرات بإحباطٍ شديد، ففي الوقت الذي تُقيد فيه حياة وحريات النساء بدعاوى الشرف والعفة والأخلاق والتزمت الديني والاجتماعي تشهد هذه المنصات استعراضات لا نهاية لها. يرى البعض أنَّ تدهور المنظومة السياسيَّة والاجتماعيَّة والتعليميَّة له أثرٌ بالغٌ فكلما ارتفعت، زادت نسبة المحتوى الرديء أو الرث الذي يشير بدوره الى ضعف مؤسسات الدولة وغياب القيم المجتمعيَّة والأيديولوجيات الثقافيَّة، إذ تقول خبيرة العلاقات الاجتماعية سارة الصراف: "المجتمع الذي ينخرهُ الفساد الاجتماعي والسياسي ينتج ثقافة ساذجة أحبها الجمهور وتفاعل معها في عراق ما بعد 2003، هذه تعكس نتيجة الانحلال وضعف المؤسسات الدوليَّة، وغياب القيم المجتمعيَّة. كل هذا ساد بين رواد الجيل الجديد الذين أصرواً على الظهور بشكلٍ رثٍ وساذج".

الى ذلك يقول الكاتب والناشط رسلي المالكي: "أسهم الانحلال السياسي بتفككٍ اجتماعي انعكس على العالم الافتراضي، لقد ساءت أخلاق الناس وتفشى الجهل والفقر والفروقات الاجتماعيَّة، فضلاً عن انهيار قطاع التعليم وعدم تخصيصه مساحة للتربية الأخلاقيَّة والاجتماعيَّة، وطغت الصبغة العشائريَّة على المجتمع وتفشى حمل السلاح، كل هذا أدى لخلق مجتمعٍ مريضٍ متفككٍ أفراده انتهازيون لا يطيقون المسؤوليَّة، وما مواقع التواصل إلا مرآة عن 

المجتمع". نعم، فهؤلاء السُذج صنعوا لنا حياة لا وجود لها، واختاروا الظهور بثقافة الجيل الجديد الذي يصرُّ على كسب مشاهدات بأي شكل، وبروتينهم اليومي، هؤلاء ممن يسافرون كل أسبوع ثلاث مرات، ويقتنون ثيابهم من أغلى الماركات، يستيقظون صباحاً بوجوهٍ مبتشرة، لقد صدروا لنا هذه الحياة ومن يصدقها يتذكر بؤسهُ ويلعن ساعة مولده.