كربلاء وتسمياتها في التاريخ واللغة

منصة 2023/08/27
...

 وسام الفرطوسي

وردت عدة تسميات للبقعة المباركة التي شهدت فصول مأساة آل الرسول (ص)، مثلما ورد لفظ (كربلاء) بإخبار الرسول الكريم (ص) بمقتل ولده الحسين في هذه البقعة، أما التسميات الأخرى لهذه الأرض فمنها: الطف، شاطئ الفرات، نينوى، النواويس، أرض العراق، أرض بابل، وغيرها.


كربلاء
اسمٌ قديمٌ في التاريخ يرجع إلى عهد البابليين، وقد استطاع المؤرخون والباحثون التوصل إلى معرفة لفظة “كربلاء” من نعت الكلمة وتحليلها اللغوي، فقيل إنها منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية. وهي تعني مجموعة قرى بابليَّة، فالأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء الحالية استخرج منها بعض الجرار الخزفية، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها.
لذلك يرى الباحثون أنَّ كربلاء: هي أم لقرى عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات، ويحدثنا التاريخ أنها كانت من أمهات مدن ما بين النهرين الواقعة على ضفاف نهر (بالاكوباس) - الفرات القديم - وعلى أرضها كان معبد للعبادة والصلاة، وقد كثرت حولها المقابر، كما عثر على جثث الموتى داخل أوانٍ خزفية يعود تاريخها إلى ما قبل العهد المسيحي.
لكنَّ أصحاب اللغة ومنهم ياقوت الحموي يرون رد كربلاء إلى أصولٍ عربيَّة وذلك من نحت الكلمة وتحليلها اللغوي.
فكربلاء: بالمد، الكربلة: وهي رخاوة في القدمين، يقال: جاء يمشي مكربلاً، فيجوز على هذا أنْ تكون أرض هذا الموضع “رخوة” فسميت بذلك.
ويقال: كربلت الحنطة إذ هديتها ونقيتها، وينشد في صفة الحنطة:
يحملن صحراء رسوبا للثقل * قد غربلت وكربلت من الفصل
فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك.
والكربل: اسم نبت الحماض، وقال أبو وجزة يصف عهون الهودج:
وثامر كربل وعميم دفلي * عليها والندى سبط يمور
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به).
وذهب ابن منظور مذهب ياقوت الحموي في التحليل اللغوي للفظة كربلاء إلا أنه زاد فيها بقوله:
والكربل: نبت له نور أحمر مشرق، حكاه أبو حنيفة: وأنشد
وقال أيضا: وكربلاء اسم موضع وبها قبر الحسين بن علي (عليهما السلام)، قال كثير:
فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء
وقال صاحب مجمع البحرين في كربلاء: إنَّ كربلاء موضعٌ معروفٌ بها قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام). روي أنه (عليه السلام) اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم، وتصدق بها عليهم، وشرط عليهم أنْ يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثاً.
وفي تعوذ الحسين من الكرب والبلاء، مرادف لفظي آخر جاء متطابقاً إلى حد كبير مع لفظة “كربلاء” موصوفة. فالكرب، هو الشدة المصحوبة بالألم. والبلاء هو النهاية وبلية الموت.
ومهما كان من آراء المؤرخين تبقى كربلاء الأرض المباركة التي كرمها الله تعالى حيث ضمت بين جنباتها الجسد الطاهر لريحانة رسول الله (ص)، وامتزجت تربتها مع دماء العترة الطاهرة من آل الرسول الكريم (ص)، فتسمية كربلاء كما أخبر بها رسول الله (ص) عن طريق الوحي هي ربما أبعد مما ذكره المحللون لهذه اللفظة، فقد أعطى (ص) تفسيراً واقعياً للفظة كربلاء، إذ ذكر فرات الكوفي في تفسيره: إنَّ رسول الله (ص) قال لفاطمة (عليهما السلام): “يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجم السماء يتهاون إلى القتل، وكأني أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم.
قالت: يا أبة، وأين هذا الموضع الذي تصف؟
قال: موضع يقال له: كربلاء، وهي دار كرب وبلاء..”.
نعم: لقد ذكر رسول الله (ص) أرض كربلاء وقد نعتها بأرض كرب وبلاء قبل أنْ يدخل العراق إلى حضيرة الإسلام، وقبل أن تطأ أقدام المسلمين أرض العراق التي قال عنها رسول الله (ص): “ يا بني - أي الإمام الحسين - إنك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين”.
إذن كربلاء هي الأرض التي التقى عليها النبيون وأوصياؤهم، وشهدت أعظم معركة في التاريخ قتل فيها ذرية نبي الأمة (ص) وهم حديثو العهد به، لا بد أن تكون أرضا مباركة كرمها الله تعالى وشرفها على بقاع الأرض الأخرى حتى جاءت هذه التسمية مطابقة للفظ والمعنى.

الطف
بالفتح، والفاء مشددة، وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، قال الأصمعي: وإنما سمي طفا لأنه دان من الريف، ومن قولهم: خذ ما طف لك واستعطف (أي ما دنا وأمكن “.
وقال أبو سعيد: سمي الطف لأنه مشرف على العراق، من أطف على الشي، بمعنى أطل، والطف: طف الفرات أي الشاطئ. سمي بذلك لدنوه.
 قال شبرمه بن الطفيل:
كأن أباريق المدام عليهم * أوز، بأعلى الطف، عوج الحناجر

الحائر
بعد الألف ياء مكسورة، وراء، وهو في الأصل حوض يصب إليه سيل الماء من الأمطار، سمي بذلك لأن الماء يتحير فيه، ويرجع من أقصاه إلى أدناه، وقال الأصمعي: يقال للموضع المطمئن الوسط المرتفع الحروف حائر وجمعه حوران، وأكثر الناس يسمونه الحائر الحير كما يقولون كعائشة عيشه.
والحائر: قبر الحسين بن علي (رضي الله عنه)، وقال أبو القاسم علي بن حمزة البصري رداً على ثعلب في الفصيح: قيل الحائر لهذا الذي يسميه العامة حيير وجمعه حيران وحوران، قال أبو القاسم: هو الحائر إلا أنه لا جمع له لأنه اسم لموضع قبر الحسين بن علي (ع)، فأما الحيران فجمع حائر، وهو مستنقع ماء يتحير فيه فيجئ ويذهب.
والحائر: وهي الأرض المنخفضة التي تضم موضع قبر الحسين (عليه السلام) إلى رواق بقعته الشريفة، وقد حار الماء حولها على عهد المتوكل العباسي عام 236 ه‍ وكانت للحائر وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة وربوات متصلة في الجهات الشمالية الغربية والجنوبية منه تشكل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية، حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى العباس بن علي (ع).

الغاضرية
بعد الألف ضاد معجمة، منسوبة إلى غاضره من بني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء. ويظهر أن الغاضرية ليست قديمة التاريخ فهي أنشئت بعد انتقال قبيلة بني أسد إلى العراق في صدر الإسلام.
وهي أرض منبسطة وتقع اليوم في الشمال الشرقي من مقام أو شريعة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) على العلقمي بأمتار وتعرف بأراضي الحسينية.
وعن أبي جعفر (عليه السلام) إنه قال: الغاضرية هي البقعة التي كلم الله فيها موسى بن عمران، وناجى نوحا فيها، وهي أكرم أرض الله، ولولا ذلك ما استودع أولياءه وأنبياءه، فزوروا قبورنا بالغاضرية.

نينوى
بكسر أوله، وسكون ثانيه، وفتح النون والواو، بوزن طيطوى، بسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى، منها كربلاء التي قتل بها الحسين (ع) وكانت على نهر العلقمي، وكانت قرية عامرة في العصور الغابرة، تقع شمال شرقي كربلاء، وهي الآن سلسلة تلول أثرية ممتدة من جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار وتعرف بتلول نينوى.

شفيه
وهي بئر حفرتها بنو أسد بالقرب من كربلاء، وأنشئت بجانبها قرية، وكان الحسين (ع) عندما حبسه الحر بن يزيد الرياحي عن الطريق، وأم كربلاء، أراد أنْ ينزله في مكان لا ماء فيه، قال أصحابه: دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى، أو هذه القرية يعنون الغاضرية، أو هذه القرية يعنون شفيه.

العقر
قال ياقوت الحموي: “العقر بفتح أوله وسكون ثانيه.. منها عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة. وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضرية وبأطلالها أثريات مهمة.
وقد روي أن الحسين (ع) لما انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد قال: ما اسم هذه القرية؟ وأشار العقر، فقيل له: اسمها العقر. فقال: نعوذ بالله من العقر، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء، فقال: أرض كرب وبلاء. وأراد الخروج فمنع حتى كان ما كان.