أمين معلوف يحذر من غرق الحضارات

ثقافة 2019/05/04
...

جبار عودة الخطاط
 
 
دأب المفكر والروائي اللبناني أمين معلوف منذ مطلع الثمانينات من القرن المنصرم حيث بداية مشواره الروائي والفكري على إعمال حفرياته التأريخية في واقعنا العربي المتخم بالتحديات من خلال التناول السسيوتأريخي للعوامل الدولية المؤثرة فيه ،
فمعلوف كما يقول يجد لذة بالغة في محاورة التأريخ  في جلّ كتاباته الروائية، والدراسات الفكرية. وكان هذا ديدنه منذ باكورة كتبه “الحروب الصليبية كما رآها العرب” حيث قارب موضوعة الصراع بين العرب- بخلفيتهم الإسلامية والغرب (الغربي) بخلفيته المسيحية.. اليوم يطل علينا أمين معلوف بكتابه الأخير  “غرق الحضارات” الصادر مؤخراً عن دار “غراسي” في العاصمة الفرنسية باريس، ليصر على إكمال مشروعه الفكري التأريخي حيث يسعى  الى إمساك اللحظة العصيبة التي تكتنف العالم وتقلب فيه الكثير من الموازين مسجلة ارتداداتها الكارثية  على أجزاء كبيرة منه لا سيما في هذه المنطقة الساخنة المسكونة بالصراعات والمتغيرات والتي تسمى العالم العربي، منقباً وباحثاً في راهن يمور بتداعياته الجمة عن جذور تضرب في تأريخ مازالت مفاعيله الجسيمة  تتهدد البشرية في مجالاتها الاقتصادية، أو  السياسية، أو الثقافية والحضارية ملوحاً بأن تلك الحضارات التي ما برحت تقبض على جمرة صراعاتها حتى وان كانت مضمرة فأنها مهددة بالغرق في لج سحيق من النتائج التي تأتي حصيلة منطقية لمقدمات مغلوطة! 
هو كتاب مهم يضاف الى سلسلة اصدارات معلوف الثرية بمادتها.. وربما لا تختلف كتب الدراسات الفكرية لمعلوف عن كتبه الروائية ففي الحالتين يحضر التأريخ بكل ما يخبيء تحت رماد عباءته من معطيات بإسلوب جريء يقارب الوقائع بنظرة ذكية لا تخلو من مشاكسة. 
يقول أمين معلوف إن “الظلمات التي اكتسحت العالم راهنا بدأت في لبنان ويعود ذلك إلى أن العالم العربي اختار “الطريق الخطأ” بسبب اختلالات حركة النهضة العربية التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر،
 فالمجتمعات العربية لم تتمكن من الاستجابة الفعلية لدعوات الإصلاح والتحديث بل ظلت مشدودة إلى الماضي، رافضة كل ما يسمح لها بالمساهمة في الحضارة الجديدة”..
 إذن مكمن ابتلائنا كما يراه معلوف هو تعاطينا الخطأ مع دعوات الإصلاح وقد أسأنا كيفية التعاطي الناجع ونحن نعتقد بأننا في وارد الإصلاح في الوقت الذي تشدنا أسباب شديدة الى جوف الماضي حتى صارت جزءاً مما كنا نعتقده نظرة مستقبلية لواقع يصر على
 ماضويته! 
معلوف بخلص الى أن” المؤسف بعد نيل البلدان العربية لاستقلالها، وخلاصها من الهيمنة الاستعمارية، صعدت إلى كرسي السلطة أنظمة متسلطة وفاسدة حكمت الشعوب بالحديد والنار وقد زاد ذلك في تعميق الجراح والأزمات، وسمح للحركات المتطرفة باكتساح المجتمعات العربية موهمة إياها بأنها قادرة على أن تضمن لها العيش الكريم في الحياة الدنيا، والجنة في الآخرة فلسنا في عالم تتصارع فيه الحضارات بل في عالم تنهار فيه الحضارات كلها، الأقوى والأضعف”، ويضيف “المنتصرون والمهزومون  كلهم وتلك هي المفارقة في دوامة تراجع، وتحت سقف خطر الانهيار” وهذه نبوءة لافتة لمستقبل ينذر أبناؤه بالمزيد من الخسارات التي ستطيح بالأثنين المهزوم والفائز بحروب لا منتصر فيها ويسرد أمين معلوف  كيف قادته الصدفة اللعينة ليكون شاهداً على حادثة باص عين الرمانة ببيروت ، الباص الذي كان شرارة اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية الطاحنة في 13 نيسان 1975، 
عادّاً “أن الحرب انتهت في لبنان، ولكن الخلل الذي أدخلته على النموذج اللبناني لم ينته بعد” 
وما زلنا نتجرع صراعاته ويعتبر معلوف أن “اليأس العربي بدأ عام 1967”، ويرى أن “العرب لم يتخطوا لحظة الهزيمة وإسرائيل لم تتمكن من الإفلات من فخ الانتصار لانها اعتبرت انها غير مضطرة لتقديم
 تنازلات”. 
ويقول “العرب كانوا ضحية الهزيمة وإسرائيل كانت ضحية الانتصار”، مستبعداً أي تسوية للصراع العربي الإسرائيلي في “المستقبل المنظور».