أحـمد كامــل الســراي
مع صوت خُطى الزائرين السائرين لكربلاء، وهم يستغلون الشعاع الأخير لقرص الشمس قبل غروبها، يتزاحم في تلك اللحظات أصحاب البيوت القريبة ليستضيفوا الزائرين في بيوتهم، وهناك طفلٌ صغيرٌ جالسٌ على الرصيف يكفكف دموعه على خدّيه، فيدنو إليه أحد الزائرين ليعرف سبب بكائه فقد يكون تائهاً من أهله فيسأله بُنيّ ما يُبكيك؟ يجيبه الطفل بصوت شجي تركت أمي في البيت لتُعدَّ طعام العشاء للزائرين، وهي تنتظرني لأصطحب معي ضيوفي، لكن مثل ما ترى لا أحد يقبل أنْ يأتي معي بسبب صغر سني، وإني لأستحي من أمي أنْ أعود بدون زائر واحد، أثّر كلامه بالرجل وجلس معه يبكي بعد أنْ علم أنَّ والده شهيد وهو أكبر أبنائه، فقام الرجل وجمع العديد من الزائرين وذهبوا مع الطفل لبيته، وأقاموا مجلساً حسينياً، وأهدوا الزيارة لوالد الطفل، ومشهد آخر لرجل كبير في السنِّ يعمل فلاحاً في بستانٍ بإحدى الدول يجمع المال لثلاث سنوات من أجل أنْ يأتي للمشاركة في الزيارة الأربعينيَّة، وآخر شيخ محدودب الظهر لا يملك سوى نخلة في بيته يحمل عثوقها على ظهره ليقدِّم رطبها للزائرين، وطفل يبيع المناديل الورقيَّة يجمع المال من عمله طوال السنة ليشتري به الماء ويقدّمه للزائرين خلال الزيارة الأربعينيَّة، وآخر مبتورة ساقه يأبى أنْ لا يسير إلا على قدمه نحو قبلة الأحرار، مشاهد كثيرة تهتز لها النفوس فتنحتها الأقلام على الصخر قبل الورق في سبيل ألّا تمحى مشاهدها وتصل إلى أقصى بقاع الأرض، ليعرفوا من هذا الشخص الذي تُقدِّم من أجله الناس كلَّ شيء ويتجه إليه الزائرون من شتى أنحاء الأرض، ولمن هذا المرقد الذي صار قبلة للملايين؟، إنه الشخص الذي ترك مدينته، المدينة التي يتمنى جميع المسلمين أنْ يعيشوا فيها ولا يفارقوها لحظة فكيف وقد تركها الإمام الحسين (عليه السلام) مع أهله وأصحابه قبل موسم الحج بيومين متجهاً نحو العراق لأمر يكاد غاية في الأهميَّة، فيه مصير الإسلام والمسلمين فيه أقلام ستكتب وتاريخ سيخلد عن أعظم معركة في التاريخ وهي لم تستمر إلا ساعات، المعركة التي انتصر فيها المقتول على القاتل، المعركة التي ابتدأت بعد مقتل قائدها، وثبتت ركائز الدين المحمدي.
المعركة التي يحتذى بها المظلوم فينتصر، واستطاع فيها الدم أنْ يغلب السيف فينكسر.
فالإعلام الحسيني ألقى على عاتقه إيصال القضيَّة التي استشهد من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام)، ليتعرَّفَ عليها القاصي والداني، وتخرج المشاهد الحيَّة لتخليد تلك الواقعة والأهداف الحقيقيَّة لها، وعلى الإعلاميين جميعاً أنْ يواصلوا في إيصال النهضة الحسينيَّة لجميع أنحاء العالم، وإظهار الجانب الإيجابي لها والابتعاد عن نقل المشاهد الأخرى التي تكون بعيدةً عن الرسالة الحقيقيَّة للزيارة الأربعينيَّة، فتلك الأيام التي ينتظرها الشيعة في دول العالم والعراق خصوصاً ويشارك فيها الكثير من المذاهب الإسلاميَّة والطوائف والأديان من داخل العراق وخارجه ما هي إلا تظاهرة مليونيَّة تؤيد ما قام به الإمام الحسين (عليه السلام) برفضه الظلم والباطل والانحراف عن الدين المحمدي الأصيل والتضحية بكلِّ غالٍ ونفيس في سبيل إرساء دعائم الدين الإسلامي، وهدم الخرافات والعبوديَّة التي جاء بها الحكم الأموي، فأيام الأربعينيَّة تلك الأيام التي ينسلخ فيها الإنسان عن طبيعته وعاداته فيصبح كلّ شيء لديه ممكناً من أجل أداء ما في وسعه خلال الزيارة الأربعينيَّة والجميع يتسابق لينال ثوابها، وهذه المشاهد ستكون ملقاة على عاتق الإعلام بنقل جانبها الإيجابي للعالم.