في مسيرة العشق الحسيني.. قصصٌ وحكاياتٌ عن مواكب الخدمة
سعاد البياتي
غيداء البياتي
تصوير: خضير العتابي
اعتادت الحاجة خديجة من سكنة بغداد أن تهيئ موكبها الحسيني قبل عشرة أيام لاستقبال زائري أبي عبد الله (عليه السلام)، هي وأسرتها لتنصيبه في قضاء المسيب القريب من كربلاء ومسير الزائرين، تشعر حسب قولها بالفرح حينما تقوم بالخدمة من طعام وشراب وتهيئة منام للزائرين، لتسهر على راحتهم، وهم قادمون من العاصمة باتجاه قبلة الأحرار في أربعينية سيد الشهداء، التي تعد أضخم مسيرة يشهدها العالم.
قصص وحكايات كثيرة تروى في تلك المسيرة العظيمة، التي استمدت قوتها وديمومتها من الاصرار والحرص على الخدمات بشتى أنواعها وأشكالها من العشائر والأشخاص والبيوتات العراقية، التي يعجز القلم عن ذكر تفاصيلها الكاملة.
فبين مبيت وطعام أعدّت مواكب حسينية قاعات مكيفة وحمامات مغلفة بالسيراميك وأمكنة مساج ونوم وخمس وجبات طعام، بينما استمرت مواكب أخرى بتقديم الخدمة وتعليم القرآن والمتطلبات الشرعية.
شعور بالسعادة
تقول « ام رضا» من أهالي كربلاء إن هذا الموكب خصص للنساء فالسائرات أغلبهن يحملن أطفالا ويحتجن إلى خدمات خاصة ومعاملة تعرفها النسوة من أقرانهن، ونراها تشعر بالتعب من طول المسافة إلى كربلاء، لذا في موكبنا المتواضع والذي أسس قبل ست سنوات قدم كل ما تحتاجه المرأة والطفل، ونشعر بالسعادة رغم المتاعب، إلا أن الخدمة تمنحنا الطمأنينة والعرفان لتضحيات الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، فتطوعت عشرون امرأة تقريبا للعمل في هذا الموكب لمدة عشرة أيام، وانتقل إلى كربلاء واستمر إلى نهاية الزيارة الاربعينية، مؤكدة أن المتطوعات قدمن الطعام خمس وجبات وعصائر وخدمة المساج ورعاية الأطفال من تنظيف وحفاظات وحليب وبودر ترطيب، مبينة أن الموكب يعمل منذ ست سنوات تقريبا ولديه زبائن من النساء واستقبل بحدود 400 زائرة يوميا.
خدمة مميزة
وتوضح (زاهدة كاظم) من محافظة النجف الاشرف أن موكبها أقيم منذ عشر سنوات أسسته مع مجموعة من النساء اللواتي يعشقن الخدمة الحسينية، ووجدن فيه الخير والبركة حسب وصفها، وحينما يتزايد عدد الزائرات في كل عام يقمن وبمساعدة متبرعين من بناء قاعة كبيرة مخصصة للنساء ومهيأة للخدمة واحتياجاتهن من منام وصحيات وأماكن للصلاة والعبادة والاستراحة وطعام يهيأ على شكل ثلاث وجبات، مبينة إلى أن أعداد النساء اللواتي استقبلهن موكبنا ارتفع قياسا للعام الماضي، ونسأل الله أن تدوم الخدمة الحسينية التي تزيدنا خيرا وبركة، وهي بالتالي شرف عظيم نفتخر به، كما أن قدمنا خدمة مميزة للزائرات من تهيئة ملابس جديدة ونظيفة لهن ولاطفالهن، فالمسيرة طويلة والاجواء حارة واي زائر بحاجة إلى ذلك، فضلا عن الفقرات الدينية والتثقيفية، التي خصصها الموكب بوجود نساء حوزويات للاجابة على اسئلة الزائرات وتثقيفهن واعطاء المناسبة حقها في الالتزام المطلوب.
موكب متواضع
المواكب كافة عملت بحب وبجهد استثنائي وبقدر عال من القناعة والنفس الطيبة لتلبية احتياجات الزائرين، فرأينا أحيانا كثيرة النساء يقدمن الخبز الحار وخبز (السياح) المفضل للسائرين، فموكب (ام علي) القريب من بوابة بغداد ويبعد مسافة قريبة من حرم الإمام الحسين (عليه السلام) ومعروف بصفة تقديم شاي ام علي طيب المذاق، الذي أعدته بشكل مختلف وبنكهة مميزة، تقول:
خدمة زائري أبي عبد الله فيها الكثير من الخيرات والبركات، اذ وقفت أنا وأسرتي المكونة من زوجي وابنائي الثلاثة وابنتي لتقديم الطعام بنفس طيبة، رغم الحالة المادية البسيطة، لكنه مفعم بالخيرات والبركات على قدر المستوى المعيشي الذي تعيشه الاسرة، التي تقدم الخبز والماء محبة لأبي الاحرار عليه السلام، كما ترغب معظم الاسر في المنام في موكبنا المتواضع طلباً للراحة، وهذه الخدمة حسب وصف ام علي تزيدها بركة وخيرا عاما بعد آخر، لذا تسأل الله عز وجل أن يمكنها من بناء موكب تعزز فيه الخدمات لزوار الحسين بشكل يليق بالمناسبة العظيمة.
حب آل البيت (ع)
سليم وعلي وفاطمة او فطومة كما يحلو لها مناداتها لا تتجاوز أعمارهم الخمسة عشرعاما ارتدوا ملابس الحزن الخاصة بأحياء ليلة الاربعينية وتتباروا في ما بينهم للمساهمة الفاعلة في خدمة زائري الإمام الحسين عليه السلام والمتوجهين صوب مدينة كربلاء المقدسة سيرا على الأقدام.
فطومة محمود ذات الثلاثة عشر عاما أصرت على اقامة موكب صغير مع رفقائها ورفيقاتها من أبناء منطقة الشعب قدموا من خلاله الماء والكعك والشاي للسائرين، احياءً لذكرى اربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) في كل عام، اتخذوا الرصيف الموازي لشارع سكناهم مقرا لموكبهم المتواضع، فهم يؤكدون «أنهم يشحذون الهمم في خدمة الزائرين خلال أربعينة الإمام (عليه السلام)، وأن فكرة اعداد موكب صغير خاص بهم جاءت من رغبتهم في المشاركة بمراسيم الزيارة، فضلا عن حبهم للامام الحسين (عليه السلام)، والذي غذته هذه المساهمة السنوية».
احياء الذكرى
علي ذو الحادي عشر عاما قال:» في كل عام أحاول من خلال هذه المشاركة أن استغل الطاقة الروحية، التي غذتها بداخلي واقعة الطف في خدمة زوار الإمام (عليه السلام)، والتي سمعت قصتها من والدي وكيف أن الإمام الحسين (عليه السلام) ضحى من اجل أن نحيا بكرامة بأهله وولده، وها نحن اليوم نستذكر ألمه وشجاعته بالوقوف مع الحق ضد الباطل، وسنبقى نحيي ذكراه، وكما علمني والدي حب الحسين وآل البيت، سأعلم أولادي ذلك عندما أكبر».
والد الطفل علي اشار إلى « أن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، فيها الكثير من المعاني السامية، التي توجب على الاسرة نقلها بأمانة إلى أولادهم، فمشاركة الاطفال في المسيرات الدينية والمواكب الخدمية لزوار آل البيت (عليه السلام) في ذكرى واقعة الطف، فيها قصد واضح يتمثل في التربية الدينية والعقائدية التي تزرع في نفوس الصغار خصال العمل المشترك، فضلا عن أن تلك الذكرى تكون بالنسبة لهؤلاء الصبية مناسبة لاستعراض حبهم، الذي امتزج بكل ما يرتبط بالولاء الحسيني».
غرس ثقافي
مديرة مركز إعلام المرأة والطفل في قسم اعلام العتبة الحسينية المقدسة ايمان كاظم قالت لـ»الاسرة والمجتمع» : إن «مشاركة الاطفال في المواكب الحسينية تبدأ بمراحل مبكرة، على اعتبار أن الطفل وفق نظريات علم النفس يعتمد على تقليد ومحاكاة المواقف والمشاهد، التي يطلع عليها، لذلك نجد الصغار يقلدون الكبار، ففي موسم عاشوراء يرتدون الملابس السوداء حزنا على مصاب آل بيت رسول الله، ويقومون بمساعدة من يعد الطعام من أسرهم وجيرانهم أو اقربائهم وتوزيعها واقامة المواكب الخدمية الخاصة بالزوار، وحضور مجالس العزاء، كل ذلك يعد غرسا ثقافيا في نفسية الطفل، لذا نجد لديهم دافعا للعمل والمشاركة في الخدمة الحسينية من تلقاء نفسهم دون التوجيه من ذويهم».
وعن دور العتبة الحسينية المقدسة وعملها في مركز اعلام المرأة والطفل قالت كاظم إن «الطفل يحتاج إلى أن نعزز لديه الطاقة المعرفية لفهم قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، وواقعة الطف كي تكون ممارساته بدافع الاعتقاد واليقين بأهمية الأعمال، التي يقوم بها في المواكب وليس بدافع التقليد فقط، وأن هنالك استبيانات ومسابقات وانشطة ثقافية يقوم بها المركز لمعرفة مدى فهم الاطفال لواقعة الطف، وهذا بدوره يعزز لديهم الجانب العقائدي على اعتبار أن اطفال الإمام الحسين «ع» شاركوا في المعركة بشكل أو بآخر وتعرضوا للانتهاكات والقتل كعبد الله الرضيع والطفلة رقية، و الصغار اذا عرفوا بهذه القصص يكون تأثرهم اكثر لذلك نجدهم يقومون بأدوار أكبر من أعمارهم ويقدمون أعمالا قد لا تلائم بنيتهم الجسدية، وكأن هناك تسديدا إلهيا وكرامة من كرامات الإمام الحسين (عليه السلام) تجعل الطفل يستطيع مواجهة حرارة الشمس، والوقوف لساعات طويلة في المواكب، لا سيما في اربعينية الإمام (عليه السلام) خدمة للزوار، هذا فعلا ما نود الاشتغال عليه في عموم العتبة الحسينية ومركز المرأة والطفل على وجه الخصوص، من اجل تنشئة الصغار تنشئة حسينية خالصة، ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع، ومن يعرف قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، ويعتقد بها بالشكل الصحيح سيؤثر في سلوكه العام لانه جاء بحزمة من المبادئ والاخلاق والقيم، لهذا السبب قدم نفسه وأهله قربانا من أجل تثبيت هذه الافكار ولاستقامة الدين».
ايمان سلطت الضوء على مواكب خاصة لأطفال من ذوي الهمم وقالت إن «لهم دورا خاصا في المواكب الحسينية ويجب أن يسلط الضوء على ما يقومون به من صور استثنائية، فقد رأينا مواكب للصم والبكم ومتلازما داون من الأطفال، الذين يشاركون في الخدمة ومنهم يعانون من مرض التوحد يمتثلون للقضية الحسينية بشكل كبير».