خالد الجادر كما يراهُ جمال العتَّابي

ثقافة 2023/09/10
...

  محمد جبير


حَظِي الفنّان خالد الجادر "1924 - 1988" في حياته باهتمام متابعي الحركة التشكيليَّة، حيث أقام أوّل معرض فنّي خاصّ به في العام 1955، بعد مضي سنة على نيله شهادة الدكتوراه بدرجة الشرف من جامعة نيل الفرنسية عن أطروحته عن "المخطوطات العراقيّة المصوّرة من فترة القرون الوسطى" المحفوظة في المكتبة الوطنيّة في باريس، كما شغل موقع عميد معهد الفنون الجميلة، وأوّل عميد لأكاديمية الفنون الجميلة 

العام 1961.

بعد ثلاثة عقود ونصف العقد على رحليه "1988" تعود جمعية الفنّانين التشكيليين العراقيين إلى الواجهة الإبداعيّة من خلال منجزه الجمالي، وذلك بإصدار الكتاب السادس من سلسلة "فنانون عراقيون"، وبرؤية الفنّان الدكتور جمال العتابي وحمل عنوان "خالد الجادر.. فنّان اللحظة المعبّرة".

على الرغم من قلّة عدد الصفحات التي ضمّها هذا الكتاب، والتي لم تتجاوز الأربعين صفحة، إلّا أنّها كانت غنية وشيّقة، وأحاطت بحيثيات موضوعة الكتاب بشكل منهجي، استطاع من خلاله الكاتب استدراج المتلقّي في التواصل مع فعل القراءة بما يضخّه من معلومات حياتية عن الفنّان، وأخرى فنّية تدخل في صميم حرفيات المشغل الفني للفنان خالد الجادر أو في رؤيته الجماليّة بشكل عامّ.

شكّلت أعمال الجادر، بتأثيراتها وأساليبها وروحها كما يقول العتابي، "حيّزًا مهمًّا في مسيرة الحركة التشكيليّة، وأسهمت في تقديم مادّة غنية للدراسة والبحث لطلبة الفنون في الجماليات والفنون البصريّة، ويعبّر عنها بالقول: إنّني أحد شهود العصر، أراقب ما هو موجود حولي من طبيعة وشواهد، تستهويني المشاهد الريفيّة والآثار التي نقلتها بشكل تعبيري، أتأمّل في الخطّ واللون، والإنشاء التصويري، أي أدخل الفكر إلى المشهد أيضا"، ويسترسل الكاتب "وبهذا فهو يرسم من الباطن متّحدًا معها بروحه، ولعلّ أجمل مَن عبّر عن هذا الواقع المفكّر المصري زكي نجيب بالقول: يخيل إليك الفنان الجادر إذا ما صور حصانًا أو طائرًا، أو فراشة أو نهرًا، قد تحوّل نفسه إلى هذه الأشياء التي يرسمها من ظواهرها، كما تبدو للمتلقّي، بل يتّحد معها بروحه، ليرسمها من الباطن، فينفذ إلى صميم 

ما يصوّر".

والجادر فنّان ملوّن في الأصل، و"إنّ سرَّ أعماله لا ينفصل عن اكتشافاته اللونيَّة، ومهاراته كأستاذ في الرسم، هذه الحقيقة لا تحتاج إلى تأكيد، إذ استطاع الفنّان الموهوب أن يبرهن على خلود أعماله بمعرفته الدقيقة بقوانين الضوء والألوان ومعرفة أسرارها، ويمثّل اللون عنده قيمة تشكيليّة، وعنصرًا مهمًّا في بناء اللوحة وإنشائها، فضلًا عن تأثيره السايكولوجي والفيزيولوجي لدى المتلقّي، وانفعالًا حسّيًا وعاطفيًا يجعل من أسلوبه نوعًا من الإحالة اللونيّة للواقع الحياتي المعيش، أو معطى تشكيليّا ماثلا في ذهن الفنّان بإحالته إلى واقع مرئي مكوّن من لمسات لونيّة، وبقع زاخرة بالحركة والحيوية"، وللخطّ واللون قيمتان متساويتان داخل لوحة الجادر كما يقول العتابي، ويضيف "فلكلّ منهما لغته وتأثيره على المتلقّى، ومع أنّه يعدّ ملونا ملتزمًا بمفردات لونية محدّدة، فإنّ الخطوط عنده، على الرغم من تلاحمها مع اللون، تظلّ محتفظة باستقلالها، حرّة في انسيابها، قويّة في تأثيرها، ومن شدّة ولعه بالتخطيط تبدو حركة يده كأنّها تخضع تلقائيًا لأيّة إشارة تلتقطها من المحيط، فالطبيعة، صامتة أو متحرّكة، يرى فيها الجادر مجموعة من الأشكال الموحية التي تثير عنده الرغبة للإمساك بها، ورصدها على سطح أبيض".

كانت نظرة الدكتور جمال العتابي في هذا الكتاب رصدًا حيويًا للمشروع الإبداعي للفنّان خالد الجادر عبر مشواره الإبداعي الطويل بين التدريس والممارسة الإبداعية، ورصد تطوّر مشروعه الجمالي في مراحله المتعدّدة، كما درس تنوّع هذا المشروع بين اللوحة والتخطيط، حيث قال "تقودنا البدايات إلى النظر والتأمّل في عالم خالد الجادر المفتوح، ابتداءً من رسوماته الكاريكاتيرية الأولى التي خطّطها وهو طالب في المرحلة المتوسطة، ونالت إعجاب زملائه الطلبة، حتى السنوات الأخيرة من عمره، إذ كانت رحلته شبكة متواصلة من الدلالات تفضي بنا إلى إدراك العمل الفنّي لديه متطابقًا مع أفكاره التي بدت ترجماتها مرسومة بدقّة على امتداد تجربته التشكيليّة والأكاديميّة".

يذكر الناقد التشكيلي عادل كامل أنّ الجادر قال ذات مرّة "لا يسعدني الموت، ولكن علينا أن نجعل الحياة أقل قبحًا، هكذا أراد أن يجعل من القرى وناسها، وتأمّلات الطبيعة، ورصد حركة الحياة، والأبعاد الجمالية للرسم المعاصر قيمة مضافة يمكن اعتبارها ترتيلة جدليّة متداخلة للجمال الذي يمتلك زمنه، وللجمال الذي امتلك روحه".