الروائيَّة آنا فوندر تقتحم {مزرعة الحيوانات} لجورج أورويل

ثقافة 2023/09/16
...

 إعداد: فرانسين بروس*
 ترجمة: رؤى زهير شكر

حين كنتُ طفلةً، تمَّ اصطحابي لمشاهدة نسخة فيلم رسومٍ متحركةٍ من رواية "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل. كنتُ أصغرَ من أن أفهم أنني كنت أشاهد قصة رمزيَّة عن الستالينية، وافترضت أن أورويل كان نوعًا من ديزني المتشائم، يصنع رسومًا كاريكاتوريَّة مخيفةً للأطفال، تصوّر خنازيرَ وحشيَّةً وديكتاتوريَّةً وخيولًا مرهقةً تُرسل للذبح.
أدركت في ما بعد، ما كان يقصده أورويل، إلّا أنَّه بعد قراءة رواية "الزوجة" للروائية آنا فوندر، اكتشفت حقيقة جديدة (أو ربما نظرية جديدة) حول "مزرعة الحيوانات": كتبها أورويل بالتعاون مع زوجته الأولى، إيلين. "إن شكل الكتاب نفسه - كأسطورة، أو رواية، أو هجاء - كان فكرة إيلين. لقد أبعدته عن كتابة مقالٍ نقديًّ عن ستالين والشمولية. تستشهد فوندر بكاتب سيرة أورويل توسكو فيفيل: "إذا كانت مزرعة الحيوان قصّةً مثاليَّة جدًا في لمستها الخفيفة وضبط النفس (كونها" غير أورويلية ")، أعتقد أن بعض الفضل يرجع إلى التأثير التحادثي لإلين واللمسة الخفيفة لروحها المشرقة، لأنَّ لها ذكاءً فكاهيًّا خاصًّا، حتى أن ليديا جاكسون، صديقة إيلين المقربة، وافقت على ذلك قائلة: "شخصيًّا ، ليس لدي أدنى شكٍّ في أن إيلين تعاونت بطريقةٍ خفيَّةٍ وغير مباشرةٍ في إنشاء مزرعة الحيوانات.
تزوجت إيلين من الكاتب والروائي أورويل عام 1936، وبعد تسع سنوات، وفي عمر 39 عامًا، أصيبت بمرض السرطان. شعرت بالإحباط بسبب المرض وخيانات أورويل وقبحه وإهماله (وفقا لفوندر)، حيث اعتبرت نفسها في ذلك الوقت لا تستحق لعلاج طبي جيد ومكلف. قبل إجراء عملية استئصال الرحم، حيث كتبت إيلين رسالة إلى أورويل الذي كان مسافرا، معربةً فيها عن أملها في عدم إزعاجه بمشكلتها. "أحد الأشياء الجيدة جدًا هو أنه بحلول الوقت الذي تعود فيه إلى المنزل، سأكون في مرحلة النقاهة، أخيرا لن تشعر بكابوس المستشفى الذي لا يعجبك كثيرًا. حتى أنَّها استسلمت للمضاعفات".
مراجعة : أن رواية "ورود أورويل" للكاتبة ريبيكا سولنيت
حيث تأخذ فوندر  هذه المادة الرائعة لتخلق منها مادة أخرى هجينة غريبة كون "الزوجة" هيَّ جزءٌ من السيرة الذاتية وجزءٌ من الخيال التأملي، مكتوبًا بصيغة المضارع. متضمنًا مقاطعَ من الحوار وحساباتٍ أخرى لأفكارٍ خاصة، ولحظاتٍ حميمةٍ لا يمكن أن يسجّلها أو يشهدها إلا الأشخاصُ المعنيون فيها .
تستند بعض المقاطع إلى رسائلَ من إيلين إلى صديقتها نورا سايمز مايلز، ولكن غالبا ما يكون من الصعب معرفة ما أسرت به إيلين وما هو عامٌ أو ظاهر  - الذي تشمل كتبها السابقة "ستاسيلاند" و"كل ما أنا عليه" - اخترع. قد يعتمد الرد على هذا النهج في ما  إن كنّا نتفق مع سطرٍ من حياة ماري شيلي التي كتبتها موريل سبارك: "لطالما كرهت ذلك النوع من السيرة الذاتيَّة، الذي ينص على أنَّ "س من الناس كان مستلقيًّا على السرير وشاهد الشمعة وهي تومضُ على عوارض السقف". عندما لا يكون هناك دليلٌ على أن هذا س من الناس قد فعل ذلك ام لا!
آنا فوندر تصف الحياة المنزلية: كمشاهدة جلسة تأكيد المحكمة العليا لأمٍ مع ابنها، وابنتها والعيش مع زوجٍ يفكّر بعمق. لا يمكن التعويض بشكلٍ كاملٍ عن اختلال توازن القوى المتأصل في النظام الأبوي. حيث تصف : "النظام الأبوي ضخمٌ جدا، وأنا صغيرةٌ جدا أو غبيَّة، أو ربَّما غير مؤهلةٍ للقتال". " حيث إنَّ الزوجة هي خدعةٌ سحريَّةٌ شريرةٌ علينا أن نلعبها على أنفسنا. أريد أن أكشفَ كيف يتمُّ ذلك، ومن ثم أتخلصُ من تلك السُلطة الشريرة الخادعة. في وقتٍ سابق، تجرب فوندر أخبارنا بأن عمل أورويل ثمينٌ بالنسبة لها. كونها لا  تريد إسقاطه بأي شكل من الأشكال. لكن من الصعب تخيل عملية إزالة أكثر المقاطع شراسة من تلك التي أطلقتها فوندر في كتالوجها لأفعال أورويل المروعة. ففي وقت اقامة أوريل في دولة المغرب، طلب (وحصل على ما يبدو) الإذن من إيلين للنوم مع عاهرة محلية صغيرة جدًا. بعد سنواتٍ قضاها في محاولة إغواء ليديا جاكسون، صديقة إيلين، زحف إلى سرير جاكسون. وتذكرتْ أنّها حاولت "منعه من فرض نفسه عليّ". ويبدو أنَّه اتّخذ نظرةً مرحةً إلى حد ما في ما يتعلق بالاعتداء الجنسي ومحاولاته "للانقضاض" على النساء اللائي قاومنه. حيث كان يقلل باستمرار من قيمة مساهمات إيلين في حياته المنزليَّة والمهنيَّة من: طباعة المخطوطات، والتعامل مع المحررين، ورعايته خلال نوبات المرض، وتنظيف المراحيض والخ... تقتبس فوندر بشكل خاص مقطعا من دفتر ملاحظات أورويل، حيث استشهد بـ "حقيقتين عظيمتين عن النساء .. أحدهما كان قذارتهن وعدم ترتيبهن الذي لا يمكن إصلاحه. والآخر كان حياتهن الجنسيَّة الفظيعة والمفترسة.
يُعد القسم الأكثر إثارةً للاهتمام في الكتاب هو المتعلق بالوقت، الذي قضاه أورويل في القتال ضد جيش فرانسيسكو فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، التي تعدُّ تجربةً كُتبَ عنها في "تحية إلى كاتالونيا".
في ذلك الوقت  كانت إيلين في إسبانيا، حيث كانت تعيش حياةً مزدحمةً ومليئةً بالتحديات وخطيرةٍ في كثيرٍ من الأوقات، كونها كانت تعمل في مكتب برشلونة لحزب العمال البريطاني المستقل، وتتفوق على الجواسيس الستالينيين، وتحاول مساعدةُ الأصدقاء وزملاء العمل، الذين تمَّ القبض عليهم، فيما أُعدم أغلبهم . حينما أصيب أورويل في الجبهة، هرعت إلى جانبه، لكن وجودها هناك - مثل معظم ما فعلته في إسبانيا - لم يلحظه أحد في كتابه.
"أنفق أورويل أكثر من 2500 كلمة ليخبرنا عن علاجه في المستشفى، من دون أن يذكر أن إيلين كانت هناك. وأتساءل عما شعرت به لاحقًا عندما كتبتها. من خلال مسح النص، تجد الروائية فوندر ان هنالك 37 إشارةً إلى "زوجتي"، ولكن "لم يتم ذكر إيلين ولو مرة واحدة. لا يمكن لأي شخصية أن تنبض بالحياة دون اسم يُذكر ، لكن من الزوجة، وهو الوصف الوظيفي، يمكنه سرقة كلِّ شيء."
رغما من الأدلة الدامغة ضد أورويل التي قدمتها فوندر، حيث تذكر " وجدت نفسي أشعر أن زواج إيلين وجورج أورويل كان أكثرَ تعقيدًا بعضَ الشيء من حالةٍ مباشرةٍ من الاستبداد الأبوي، الظالم معظم الوقت مقابل المظلوم. حيث يفكر المرء في نساء أخريات عشن في ذلك الوقت تقريبا مثلا (جان ريس، وريبيكا ويست، وإلسا مورانتي) حيث تمكنّ من إنجاز بعض الكتابة، بدلًا من الخضوع للإساءة العاطفية، حيث يُعد الذكر العبقري المقيم في الحدث نفسه.
لم تشرح فوندر بشكلٍ كامل: ما الذي جعل إيلين هدفًا سهلًا وضحيَّةً جاهزة؟
سيجد القارئ خمسةَ أساطيرَ عن جورج أورويل
عند قراءة رواية "الزوجة"، إلّا أنني كقارئةٍ شعرت بالذنب قليلاً، لأنني فكرت في كثيرٍ من الأحيان في مقالة أورويل الرائعة "السياسة واللغة الإنجليزية"، والتي ينتقد فيها العيوب - الغموض وعدم الدّقة والحرج، والاعتماد على المصطلحات والكليشيهات -". لقد جعلتني العديد من المقاطع أتساءل عمّا كانت تحاول فوندر قوله: “إنَّ المهمة الأولى للخيال بالنسبة للكاتب هي خلق الذات الكتابيَّة. إنَّها بحق وظيفةٌ رائعة، ومن المفيد أن يكون هناك اثنان منكم فيها: هي، التي تؤمن بك، أنت ايضا تؤمن بنفسك. وهذه الذات التي ترعى هي أم العمل؟ والعمل بدوره يصبح دليلًا على الذات: أنا صنعت، إذن أنا موجود.
“إن المهمة الأولى للخيال بالنسبة للكاتب هي خلق الذات الكتابيَّة. إنَّها بحق وظيفة رائعة، ومن المفيد أن يكون هناك اثنان منكم فيها: هي، التي تؤمن بك، أنت ايضا تؤمن بنفسك. وهذه الذات التي ترعى هي أم العمل؟ والعمل بدوره يصبح دليلًا على الذات: أنا صنعت، إذن أنا موجود.
* فرانسين بروس، كاتبة متميزة، لها  العديد من الأعمال الخياليَّة والواقعيَّة، بما في ذلك "آن فرانك: الكتاب، الحياة، الحياة الآخرة"، ومؤخرًا، "كليوباترا: تاريخها، أسطورتها".
*عن الواشنطن بوست