ستراتيجيَّة الإقراض الجديدة

اقتصادية 2023/09/16
...

ياسر المتولي

منتصف العام الحالي 2023 أعلن البنك المركزي العراقي وعلى لسان محافظه علي العلاق نيَّة المركزي إطلاق ستراتيجية الإقراض مطلع العام 2024.
وعلى ما يبدو أنَّ البنك المركزي تلمَّس الحاجة الفعليَّة لتصحيح مسار الإقراض في العراق والذي شابته بعض مواطن الخلل التي أدت إلى الابتعاد عن الأهداف التي توزعت القروض لأجل تحقيقها وهي بالتأكيد أهداف تنموية تصب في خدمة اقتصاد البلد من خلال تحفيز قطاعاته الاقتصادية.
لا يمكن إنكار أنَّ جانباً من تلك القروض قد أتت أكلها خصوصاً في الجوانب الخدمية ذات الأهداف المتعلقة بأزمة السكن ولكنها حُرِّفت أيضاً عن هذا الهدف بفعل التطبيقات من قبل المقترضين شركات أو أفراداً.
وهنا أتحدث عن إجمالي القروض التي وزعت ليس من قبل مبادرات البنك المركزي إنما من قبل القطاع المصرفي الحكومي الذي برر الأخطاء بهدف تحسين المستوى المعاشي للفرد متناسياً الهدف الأهم في معالجة مشكلة حقيقية في السكن.
إنَّ إحصاءات الحاجة الفعلية للوحدات السكنية والمحددة من قبل وزارة التخطيط هي بحدود ثلاثة ملايين وحدة سكنية وقد أطلقت القروض في حينها بأوجه مختلفة منها إقراض لبناء وحدة سكنية خاصة ومنها إكمال البناء أو توسعته، إلا أنَّ أغلب هذه القروض ضاعت لجوانب استهلاكية وكمالية ولم تعالج الأزمة الحقيقية.
صحيح أنَّ مشاريع استثمارية عملاقة نفذت هنا وهناك وبأعلى المواصفات وهي مطلوبة أيضاً لعكس الواقع الاقتصادي المتين للبلد إلا أنها لم تسهم في حل إشكالية أو أزمة السكن المستعصية إنما ذهبت لأصحاب المداخيل العالية ورغم أنَّ هذا ليس سبة أو عيب إنما الهدف التنموي يحتاج إلى معالجة السكن الحقيقي للطبقات المتوسطة والهشة وهذا ما لم يحدث للأسف.
رؤيتنا أن تتضمن ستراتيجية البنك المركزي 2024 متطلبات تحقيق الأهداف التنموية عبر تنشيط القطاعات الإنتاجية والخدمية المتعلقة بالبنى التحتية للبلد الذي يعاني من تهالك بناه التحتية ووفق تصميم وتخطيط عمراني يستهدف المكان والحاجة الفعلية للمشاريع الستراتيجية التي تسهم في رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وعدم اعتماده على مؤشر إيرادات النفط فقط.
إنَّ ستراتيجية الإقراض الجديدة للبنك المركزي التي ننتظر الاطلاع على خطواتها وخطوطها العريضة أعتقد جازماً أنها ستسهم بتحقيق هدفين مهمين أولهما تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية من جانب وتنشيط القطاع المصرفي العراقي وزجه في خلق منتجات مصرفية تصب في خدمة الهدف التنموي الحقيقي وتعيد نشاطه المصرفي البحت دون الاعتماد على منتج واحد وأقصد نافذة العملة.
ولإمكانية أن يلعب قطاعنا المصرفي هذا الدور فإنَّ الخطوة التي اتخذها المركزي في رفع رؤوس أموال البنوك إنما تندرج في مساعدتها على لعب الدور التنموي المقبل.
نتمنى أن تعي مصارفنا حجم المسؤولية المقبلة وضرورة التعاطي مع إجراء المركزي بحكمة بأي ثمن حتى لو كان الاندماج على أن ترافقه حوكمة مصرفية تبطل مخاوف وظنون البعض من أنَّ الاندماج سيفقدهم حظوة مسؤولية التصرف بأموالهم إنما ستكون الفائدة أعم وأشمل إذا تمكنا من تحقيق ثقافة الاندماج المستند إلى حوكمة مصرفية في إدارة البنوك.