بحثاً عن قاتل شكسبير

منصة 2023/09/18
...

  علي العقباني

لا يزال تأثير أعمال الكاتب المسرحي الإنكليزي ويليام شكسبير في اللغة الإنجليزية والعديد من اللغات الأخرى تأثيراً هائلا، فقد أسهم شكسبير في أكثر من 1700 كلمة جديدة إلى اللغة الإنجليزية والعديد من العبارات التي أصبحت مضرباً للأمثال، ليس هذا فحسب، فعلى مدى السنوات الـ400 الماضية كان تأثير وليام شكسبير طاغيا في الشعر والدراما والرواية والمسرح والسينما، الأمر الذي يجعله الكاتب الأكثر تأثيرا من أي وقت مضى في أي لغة.
ربّما قرأنا عن شخصيات تكتب مؤلفها أو تعيد شخصيات روايتها أو تتمرد على مؤلفها، أو ربما تحاكمه، في عرض تخرج دفعة السنة الرابعة من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق يقترح المخرج عروة العربي مشرفاً على الدفعة شكلا مسرحياً مختلفاً، هنا يجتمع عددٌ من شخصيات شكسبير الأكثر شهرة وتأثيراً ربما أو ربما هي خيارٌ تراجيديٌّ ودراميٌّ في قصرٍ كبيرٍ على طاولة تشبه طاولة العشاء الأخير، هنا يظهر شكسبير ويخبر شخصياته ويخبرهم بأن باب القصر أوصد ولن يُفتح إلا بمعرفة قاتله.
أي مأزقٍ وضعت في شخصيات السيد والسيدة ماكبث والعاشقان روميو وجولييت وعطيل وريتشارد وشايلوك وأوفيليا وهاملت والبهلول، شخصيات اجتمعت من أعمال شكسبير العظيمة كتاجر البندقية، زوجات وندسور المرحات، ريان الناصر، جعجعة بلا طحن، بيرسيليس، أمير تير، ترويض النمرة،  العاصفة (مسرحية)، الليلة الثانية عشرة أو كما تشاء، السيدان الفيرونيان،  القريبان النبيلان، حكاية الشتاء، أو من تاريخيات شكسبير  كا الملك جون، ريتشارد الثاني، الملك هنري ، ريتشارد الثالث، أو من تراجيديات كما في  روميو وجولييت، كوريولانوس، تيتوس آندرونيكوس، تيمون الأثيني، يوليوس قيصرـ وماكبث وهاملت والملك لير  وغيرها، عمل متخيل يكشف الستر عن تلك الشخصيات ويعريها في صراع تراجيدي وعبثي، بغية فتح الباب الذي أوصد لمعرفة القاتل.
 المكاشفات والفضاىح والأسرار التي تختبئ خلف عوالم الشخصيات المكرسة في الذهنيات المسرحية ليست وحدها هي الحامل الرئيس للعرض الذي تمكن فيه العروي من تسخير قدرات الطلاب الصوتية والجسدية والتعبيرية في هذا المكان الضيق بالكراسي والطاولة والثريا المتدلية من السقف، ليس استعراض حالات وعضلات وانما كشف ومكاشفة وامتحان صعب.
بحثٌ مسرحي ودرامي جاد قام به المخرج عروة العربي مع طلابه انطلاقاً من نصٍ  ذكي مختار بعناية احكم فيه بناء عوالمه وشخصياتها، وصاغه بمعرفة وامتحان لطلاب صاغوا مسرحهم بعرقهم واشتغالات أرواحهم.
قرابة الساعة والنصف نحن أمام محاكمات تراجيدية لشخصيات خرجت من رحم مأساتها وعقدها واشكالاتها وانتقاماتها وعلاقاتها المتشابكة من الذات والأخر، شخصيات تحاول إيجاد قاتل افتراضي لمؤلف مات منذ ما يزيد عن 400 سنة، عمل ذكي، استطاع فيه الممثلون ابقانا في ترقب واندهاش وخوف وصلت درجة الاستحواذ على النفس في معارك طاحنة بالسيوف والخناجر والتصاعد الدرامي المتدفق عبر حلول اخراجية استفاد فيها العربي من ديكور المكان نفسه فتلاعب بالطاولات والكراسي والحركة مسخراً جميع العناصر المتاحة لخدمة مشهدية بصرية وحركية تعبر عن مهارات الطلاب وقدراتهم، وتترافق مع تصاعد الأحداث وتحولاتها الدراماتيكية، مستغلاً إمكانيات الطلاب الذين حاولوا تقديم أفضل ما لديهم من إمكانيات تراوحت في مستواها التعبيري والجسدي واللغوي، وهذا طبيعي في ظل الاشتغال على خمس عشرة شخصية مسرحية شكلها  شكسبير من لحم ودم في مسرحياته، شخصية شكسبيرية ملهمة وذات خصوصية، تتصارع وتتكاشف حيث  تضعها الفرضية كلها في مسار مقيد. شكسبير مات مقتولا من قبل إحداها وستبقى روحه هائمة والباب موصداً، حتى يقتص من القاتل. لتبدأ جذوة الصراع بالتوقد ومع دخول ريتشارد يكون الصراع قد بلغ ذروته باتهامه بالقتل كونه من استطاع فتح الباب المقفل من الخارج.
وبعد كل تلك الصراعات الدموية بين شخصيات شكسبير والصراعات الطلابية لإظهار الجميل فيها من إمكانيات كنا امام عرض مسرحي شيق وحيوي وغني يبرز إمكانيات طلاب يحاولون التعبير عن نفسهم لمستقبل قادم، تجربة عمل غنية فيها الكثير من التحدي  والبحث مع طلاب ممثلين بطاقاتهم وشغفهم وبحثهم وأحلامهم وآمالهم والكثير من أحزانهم وأوجاعهم وقلقهم وهموم حياتهم، وان حاول العربي بعد كل تلك الصراعات أن يطهر شخصياته بشلال ماء ارسطي ودموع طلاب سكبوا عرقهم وارواحم ليقدموا عرضاً مختلفاً فيه الكثير من الخصوصية والنخبوية والاجتهاد.

« ما لم يكتبه شكسبير» عرض مسرحي مرتجل كتبه خالد النجار  وأشرف على دفعة التمثيل المخرج الشاب عروة العربي، بالتعاون مع حسن دوبا . تخرج فيه الطلاب : باسل عنيد، براء بدوي، تيما الغفير، جعفر مصطفى، حسن كحلوس، خالد النجار، شيراز لوبيه، عمر نورالدين، فارس جنيد، لانا الحلبي مازن الحلبي، مراد أنطاكية، مرام إسماعيل، ميرنا المير وورد عجيب.