عرفت بغداد السينما مبكراً، اذ شهدت دار الشفاء، الواقعة في الكرخ، عرض صور متحركة اذهلت البغداديين في العام 1909، بعدها شيّد بعض التجّار في العام 1911، أول دار عرض سينمائية في وسط البستان الملاصق للعبخانة (منتصف شارع الرشيد حالياً)، اطلق عليها اسم "بلوكي" نسبة الى تاجر مكائن خياطة يهودي، ثم توالى بناء دور العرض منها: "العراقي " في منطقة الميدان، وسينما "رويال " التي كانت تقدم أفلاماً صامتة، تعتمد في ترجمتها على لوحة تعرض على الحائط، تشرح فيها احداث الفيلم، ولم يكن للنساء نصيب من المشاهدة في هذه الفترة.
وبحسب ما جاء في كتاب" بغداد في العشرينيات " للباحث عباس بغدادي، فإن سينما "العراقي" كانت تقع في محلة الميدان، و"رويال" وسط محلة العمار قرب تكية البدوي، وليس بعيداً عن محلة المربعة تربض " اولمبيا" ومن المرجح ان تكون، هي ذاتها سينما "الزوراء" التي سميت بهذا الاسم لاحقاً، وتحدث بغدادي عن سينما "الوطني"، التي شيدت مطلع العشرينيات.
ويصف الباحث "رويال" بكونها سينما فخمة ورائعة بأثاثها، مشيراً الى صاحبها السيد حسين يحيى، الذي هو أحد التجار والملاكين في بغداد، الذي أصر على ان تكون كراسيها وثيرة ومغطاة بقماش المخمل، واراد لمقصوراتها ان تكون ذات خمسة كراس واسعة وستائر مخملية تفصل بين مقصورة (لوج) وآخر، وفي واجهة كل منها ثمة لوحة زيتية لاحد الرسامين، فبدت وكأنها احدى مقصورات دار الاوبرا في باريس، أو لندن، وتتميز "رويال" ببابين؛ الاول يطل على شارع الرشيد في باب الاغا، فيما يتصل الباب الخلفي بدربونة آل السوز.
وهذه السينمات، هي الأولى التي شاهدها بغدادي وسرد ذكرياته عنها: "اخذنا المعلم المرحوم السيد امين الخضار ونحن تلاميذ بعد ان اقنع اولياء امورنا بان السينما ليست من الامور المحرمة وعرض علينا منظراً من الحرب العالمية الاولى وبعض المناظر الهزلية، فمثلاً سينما "العراقي" لا يدخلها غير أهالي منطقة الميدان، التي تعتبر غير لائقة للكثير من الناس لا سيما الصغار والشباب ورصد صاحب "بغداد في العشرينيات" قلة رواد سينما المربعة (اولمبيا) فقد أهمل شأنها وتركها الناس. وخزنت ذاكرة عباس بغدادي صورة ناصعة عن سينما "سنترال"(1920)، اذ كانت واسعة بلا فخامة، وهي الوحيدة التي تعلن عن منهاجها، من خلال مروجي الإعلانات المشهورين: عباس حلاوي وشريكه حسقيل ساسون، اللذين كانا يقفان على باب السينما ويعلنان عن الفيلم المعروض بصوت عال، وغالباً ما يصعد عباس حلاوي على العربة في شارع الرشيد ويطلق العنان لصوته الجهوري: "الليلة عدنا تبديل.
وهنالك سينما الوطني (1927) الواقعة في منطقة سيد سلطان علي امام "اورزدي باك"، التي تميزت بنظافتها وترتيبها على الرغم من صغر مساحتها، اما ترجمة الفيلم الى العربية، فكانت تطبع على الجدار بجانب الشاشة وفقاً لسيرة الفيلم، وقبل الدخول الى السينما يستلم كل واحد من الداخلين ورقة مطبوعة فيها عنوان الفيلم والممثلون ومؤلف القصة مع مختصر عن القصة، ليكون للمتفرج علم بمحتوى الفيلم وهذا كله كان ايام السينما الصامتة. فلم تصل السينما الناطقة الى بغداد الا في اوائل الثلاثينيات، حيث عرض فيلم "ملك الموسيقى" في سينما الوطني عام 1931.
وعرضت في هذه السينما أفلام كثيرة أبرزها:" الشر" الذي قام بتمثيله الالماني انيل جانكس، وقد استمر عرضه عدة أسابيع، اذ كان الجمهور يتدافع على ابواب سينما الوطني لمشاهدته، و" كل شيء هادئ في الجبهة الغربية" قبل ان يكون ناطقاً، فضلاً عن مسلسل "طرزان" وافلام "شارلي شابلن".
من جهة أخرى شيدت في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، دور عرض أخرى منها: " الرشيد"، و"الزوراء" وكانت كل هذه السينمات يديرها اليهود مع بعض الشركاء، ومعظم روادها من طلاب المدارس، اما النساء فلم يكن لهن نصيب من السينمات، ولم تتوفر لهن المتع البريئة مثل السينما وغيرها الى منتصف الثلاثينيات، اذ نشرت الصحف البغدادية، آنذاك مقالات تحت عنوان "نريد جوا من المرح" بقلم المحامي سلمان الشيخ داوود، وساعد على ذلك ظهور بكر صدقي وجماعته- بعد انقلابه الشهير- وهم يرتادون محلات الانس و"الفرفشة"، فكسروا الحاجز وشجعوا الناس ، الذين كانوا يتصورونهم انصاف آلهة.