حضور الرؤية الاقتصاديَّة وغيابها

اقتصادية 2023/09/23
...

 ياسر المتولي



في حديث اتسم بالصراحة والشفافيَّة لرئيس الحكومة مع نخبة من القنوات الفضائية كشف الغطاء عن المخفي والمستور الذي كان يغلف الفوضى الإدارية وغياب الرؤية والستراتيجية التي تحقق البناء الصحيح والسليم.

خارج المألوف والمتعارف عليه مع الحكومات السابقة من تبريرات للأخطاء والتعثر الذي أصاب البرامج الحكومية في جانبها الأهم وهو الاقتصادي والتعكز عليها وأقصد التبريرات فقد أشّر السوداني برؤية صائبة مواطن الخلل في التعاطي مع الملف الاقتصادي.

وللمرة الثانية أصف توجهات هذا الرجل بعبارة خارج المألوف وذلك في مقال سابق لي في إحدى الصحف العراقية، إذ أشرت إلى أنه على غير العادة والمألوف لدى رؤساء الحكومات أن يعتمد الوقوف على التحديات والمصاعب بزيارات مكوكية إلى الدوائر دون الاعتماد على تقارير تقدم له عبر قنوات أخرى كمكتبه أو مستشاريه إنما يعتمد الاطلاع المباشر.

وشهادتي هذه التي أدلي بها هي للأمانة الصحفية والمسؤولية الأخلاقية ليس إلا من خلال ظاهرة لمستها عبر معايشاتي ومتابعاتي للشأن الاقتصادي وإدارته من قبل الحكومات عبر برامجها الاقتصادية.

لقد حدَّد السوداني في حديثه أسساً لستراتيجية البناء الاقتصادي في التعاطي مع هذا الملف الأهم على مستوى العالم وسياساتها الاقتصادية ولخص رؤية واقعية للحلول المطلوبة ولفت انتباهي تركيزه على نقطتين أساسيتين الأولى اعتماد الاستشارات العالمية ذات التخصص الدقيق وثانيهما اعتماد الإدارة الكفء للمشاريع العملاقة في سياق حديثه عن إدارة مشروعي الفاو وطريق التنمية المزمع تنفيذه برؤية دقيقة وصحيحة من خلال تهيئة البنى التحتية وإزالة العوائق المحتملة التي قد تعترض التنفيذ.

وهنا تبرز أهمية حضور الرؤية ونجاحها ورجاحتها ووضوحها والتي عمقها بالإشارة إلى أهمية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص بمعناها الواسع والتخلي عن مركزية مبدأ الركون إلى رأس مالية الدولة في التنمية الاقتصادية على عكس غياب الرؤية في السابق.

استمعت بإصغاء المتلقي كعادتي عندما كنت أحضر المؤتمرات واللقاءات الصحفية أثناء خدمتي في الصباح وإدارتي صفحتها الاقتصادية لكامل الحديث مع نخبة القنوات ودوّنت ملاحظاتي وتولدت لي قناعة بضرورة المداخلة والتوضيح.

فحين تحدث دولة الرئيس عن الجدوى الاقتصادية لطريق التنمية (العراق- أوروبا) ومقارنته مع طريق الحرير (الصين- أوروبا) والممر الدولي (بهارات "الهند"- أوروبا) أصاب الهدف حين أوضح أنَّ طريق التنمية هو أقل التكاليف وأقصر وأهم الطرق وهنا ذهب الذهن إلى سؤال يطرح نفسه هل الرهان يقتصر على أقل الكلف وأقصر الطرق بعيداً عن قياس فارق الزمن في سرعة ودقة التنفيذ في عملية المنافسة؟

في تصوري أن تنتبه الدولة إلى أهمية عامل الزمن أولاً لأنَّ الطريق الذي سيستحوذ على التجارة الدولية هو من يبدأ أولاً ويعتمد على قدرات تهيئة متطلبات وقوة ومتانة اقتصادات الدول المشاركة ثانياً. فإنَّ المدى المنظور يحسب له ألف حساب فترتيبات النقل التي ستعتاد على طريق بعينه ستكتسح المكاسب إلى أن ينضج المشروع المنافس. هذه الأمور في تقديري يتعين أخذها بنظر الاعتبار لأجل أن يكون المشروع متسقاً مع الرؤية الستراتيجية للحكومة وهو ما أكده في تحليله لأهمية المشروع بأنه لن يقتصر على الترانزيت إنما لخلق مدن صناعية تنموية على طول الطريق وحسناً فعل دولة الرئيس حين أشار إلى أنَّ هذا المشروع يمثل مصلحة وطنية غير قابلة للتجاذبات كونه سيخلق عراقاً جديداً ذا اقتصاد متنوع فهل سيضمن الدعم الكامل لوضوح رؤيته الستراتيجية أم سيواجه تحديات وعراقيل تقود إلى غياب الرؤية الستراتيجية لبناء اقتصاد متين؟

والأهم في حال آلت الظروف إلى تغيير الحكومة فهل ستأتي حكومة جديدة قادرة على إكمال المهمة والمشروع برؤيته السليمة هذه أم ستنسف كل الجهود كالمعتاد؟ هذا ما سنتابعه في المستقبل المنظور.