- 1 -
تطحن الظروف الصعبة الفقراء طحنا ، وتدفعهم الى البحث الجاد ، عمن يُطفأ نيران الحاجة ..
- 2 -
وقد حفظ لنا تاريخ الأدب الشيء الكثير مما قاله فقراء الشعراء في هذا الباب ، ونحن نورد في هذه المقالة شيئا من ذلك :
وقف أعرابي يُخاطب أحدَ الحكّام :
أصلحكَ اللهُ قلّ ما بِيَدِي
فما أُطيقُ العيالَ اذ كثروا
أناخ دهرٌ ألقى بِكلْكَلِهِ
فَأَرْسلوني اليكَ وانتظروا
فقال له :
أرسلوك وانتظروا ؟
والله لا تجلس حتى تعود اليهم بما يسرهم، وأمر له بزاد ، وَخَلَع عليه ..
ببلاغة فائقة استطاع التعبير عن معاناته ، وعمد الى استخدام عنصر الإثارة من خلال قوله ( أرسلوني اليك وانتظروا ) فكان أنْ حصل على ما أراد ...
- 3 -
وشكا اعرابي الى جماعة مرّ بهم حَالَهُ واستنهضهم لمساعدته ، فلم يُجِبْهُ الى مراده أحد ،
فقال :
قد ضَاعَ مَنْ يأملُ مِنْ أمثالِكُمْ
جُوداً وليسَ الجُودُ مِنْ فعالِكُمْ
لا بارَكَ اللهُ لكم في مالِكُمْ
ولا أزاح السوءَ عَنْ عيالِكُمْ
فالفقرُ خيرٌ مِنْ صلاحِ حالِكُمْ
واذا كان الفقير قد أراق ماء وجهه بسؤالك ، فليس من الصحيح أنْ ترده خائباً ..!!
- 4 -
وروى لنا الاصمعي عن فقير آخر سأل فلم يُعْطَ شيئا ،
فرفع يديه الى السماء قائلا :
يا ربّ أنتَ ثقتي وذُخري
لِصِبْيَةٍ مثلِ صغارِ الذّرِ
جاءَهُمُ البردُ وَهُمْ بِشرِّ
بغيرِ لُحْفُ وبغيرِ أُزرِ
كأنهم خنافِسٌ في جُحر
تراهم بعد صلاة العصرِ
وكلهُم ملتصقٌ بصدري
فاسمع دعائي وتولَّ أمري
ومع كل هذه البراعة في الوصفِ لم يستطع ان يكسر حاجز البخل عند مَنْ خاطبهم ..!!
- 5 -
ووقف شاعر فقير على قوم فقال :
هل مِنْ فتىً مُقتدرٍ مُعينِ
على فقيرٍ بائسٍ مسكينِ
أبي بناتٍ وأبي بنينِ
جزاه ربيّ بالذي يُعْطيني
أفضل ما يُجزى به ذو الدِينِ
وبهذا الرجز القويّ عرّف السامعين بنفسه وبما يُعانيه ، وكشف عن انّه مسؤول عن أولاد وبنين ، ودعا لمن يجود عليه بشيء من المال ...
ولا ندري هل استجاب لَهُ القوم أم لا ؟
- 6 -
وتقدّم شاعر فقير نَحْوَ رجلٍ اسمه (عمرو) فأعطاه دِرْهَميْن ، فرّدهما عليه وقال :
تركتُ لعمروٍ درهميه ولم يكنْ
ليغنيَ عني فاقتي درهما عمروِ
وقلتُ لعمروٍ خذهما فاصطرفهما
سريعيْن في نقضِ المودّةِ والأجرِ
- 7 -
لسنا مع جَعْلِ الشعر وسيلةَ ارتزاقٍ ، ولكنّ الفقر لا يطاق ،
ومن هنا اندفع الشعراء الفقراء محاولين كسب المال بالشعر
وقد يفلح بعضهم ويخيب
آخرون ..!!
