الحربُ ليست خياراً عاقلاً..

آراء 2019/05/07
...

علي حسن الفواز
 

الانشغال بالاستعداد للحرب والتلويح بها يطلقُ العنان للسياسة لأنْ تكون متوحشة هي الأخرى، وأنْ تصطنع إيقاعات وممارسات تجعل من تلك الحرب وكأنها مسؤولية مقدسة، وعلى الجميع أنْ ينخرط بها درءاً لخطر كوني، بقطع النظر عن طبيعة هذه الحرب، وعن ضحاياها وعن الجدوى التي ستكون الارض والمصالح والحقوق بعدها..
العدوان الاسرائيلي على غزة كان- بتقديري- تمريناً لحرب محتملة في لبنان، أو لحرب أقل احتمالاً تقودها الولايات المتحدة واسرائيل ضد ايران، بالتالي ضد الجميع أمام لعبة إشعال المنطقة الساخنة أصلاً بأوهام جديدة، وبصراعات قد يضيع فيها الأخضر واليابس، أو لن يكون أحدٌ بمنجى عنها كما صرح أحد وزراء خارجية المنطقة..
فما يجري على الأرض، وعلى البحر، وفي السياسة والاقتصاد، وما يتصاعد صوته في الإعلام يعكس مدى الهوس بهذه الحرب، وبالرغبة المجنونة بـ(صناعة العدو) وبقدسية مواجهته، أو حتى جمع الحطب والأعوان لتعويم تلك الحرب لتكون عنواناً فائقاً للتبشير بواقع جديد، وبسياسات أكثر غلظة، أو بوضع (العولمة) الأميركية في سياق فرضيات استعادة القوة الامبراطورية..
بوارج عسكرية تملأ الأفق، وحصار يفتح الشهية للتمرد، وأتباع يدفعون القوي الامبراطوري لممارسة لعبته في القسوة، واصدقاء يرفضون هذه اللعبة غير المتكافئة، ويطالبون بمراعاة القانون الدولي في خيارات الحرب والسلام. هذه هي سينوغرافيا المشهد في منطقة الخليج، إذ يكون الجميع محكومين بالمشاهدة، أو بانتظار الخاتمة، فلا تغريب بريختياً هنا، ولا مشاركة للجمهور، ولا خيار لهم سوى الصمت، والبحث عن التطهير في منطقة أخرى.. فهل ستكون هذه الحرب فعلاً هي الرهان الوحيد على المواجهة، وعلى فرض مشهد الجحيم؟
 
الرهان ليس خياراً واقعياً..
يبدو أنَّ هذا السؤال ليس واقعياً، ولا حتى منطقياً، فالحرب ليست نزهة كما كان يقول (ملوك أوروبا) في الحروب الصليبية، ليس لأنَّ في المنطقة ترسانة عسكرية هائلة، وأنها متخمة بالأعداء المتعددين، والأصدقاء القلقين، بل لأنها ستكون ضد مصالح الجميع، ومجاهرة علنية بموت المكان، وبتحويل النفط- سلعة المنطقة الرئيسة- الى سلعة نادرة ستهدد أسعارها العالم غير النفطي، وستجعل من أميركا الدولة الأكثر تورطاً في تفقير العالم وفي توحيشه..
لا يوجد منطق في أيِّ حرب، لأنَّ الحروب خيار قديم وساذج، لذا تكثر الحروب في المناطق الفقيرة، أو في البلدان التي تحتاج ظروفها الى تعديل قسري، وبالتالي فإنَّ ما يُفرَض على هذه البلدان سيكون قاسياً وباهظاً، وربما سيكون دافعاً لصناعة المزيد من الإرهاب والجماعات العنفيَّة التي تجاهر بخطاب
 الكراهية..
البحث عن الواقعية يعني البحث عن الحوار، وعن الوعي بأهمية أنْ يكون هذا الحوار منصفاً وإنسانياً، فالحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين في غزة هي قناع لحرب أميركية في مناطق أخرى، وتعبير عن توحش القوة، وعن عنف الثقافات والسياسات التي تتبنى خطاب فرضية السيطرة واخضاع الآخرين لها، وبالتالي سيجد الجميع أنهم متورطون بحروب شتى أكثرها قسوة حرب الكراهية، وحرب قتل الناس العزّل، وهو ما يحدث في غزة، وما يحدث اليوم في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا، واحتمال أنْ يكون حادثاً في السودان وفي الجزائر وفي لبنان وفي مصر وفي 
غيرها..
هذه المعطيات هي ما تجعل البحث عن الحوار، أو أنسنة هذا الحوار أمراً واقعياً ومطلوباً، ولو بشيء من التراضي، لأنَّ التلويح بالسيطرة وبالإخضاع هو إعلان خطابي للحرب، وهذا ما لا يتسق مع حقوق الخصوصيات، ولا مع رغبات الدول بالسيادة والحق بالتصرف بثرواتها الوطنية أو تبني المواقف التي تتناسب مع مصالحها..
الإصرار على الحرب سيكون خياراً أحمق، وذهاباً الى الجحيم، والى توريط بعض الدول بحروب داخلية، إثنية وجماعاتية وطائفيَّة، وهي خيارات مفتوحة من الصعب السيطرة عليها، أو حتى احتواؤها مهما تضخمت معها الاجراءات الامنية، ومن هنا لا مجال حقيقياً وعقلانياً للمواجهة سوى حديث السلام العاقل، او سلام العقلاء، وهو أفق للحوار مع الآخر، وعلى وفق ما هو موجود، ومُقَر في المعاهدات والاتفاقات الدولية، وبحماية مؤسساتها الكبرى التي يحتاج الجميع وجودها كإطار أخلاقي وسياسي لضمان الحق العام، ولمنع سياسة التدخلات السافرة والسافلة في المصالح والسياسات الوطنية وفي خياراتها 
السيادية..