عبد الكناني
شهد المجتمع العراقي لاسيما بعد التغيير الذي حدث في البلاد عام 2003 ظواهر عدة جديدة لم يألفها ولم يستحسنها، ابرزها ظاهرة انتشار الأطفال في الشوارع للاستجداء والتخفي وراء اعمال لا تجلب ربحا او مردودا جيدا ازاء التضحية بالتعليم والقيم، حين يبتعد الاطفال ويغيبون عن الرعاية العائلية والمتابعة المجتمعية والابتعاد عن المدرسة كدار علم وتعليم وتربية وتنمية مواهب وقدرات وتهذيب وتأهيل منظم وناجح للمستقبل.
وقد وجدت مؤسسات البلاد نفسها ازاء مشكلة صعبة وشبه مستعصية، اذ لاحلول ناجحة للحد من الظاهرة، ولا افكار عملية توجه باتجاه احتوائها او السيطرة عليها، سوى الاجراءات الردعية بين حين وآخر والملاحقة غير المدروسة التي سرعان ماتعود ادراجها، لتعود الظاهرة اكثر استفحالا من المرحلة السابقة، وتنطلق المناشدات للدولة ومؤسساتها لايجاد معالجات تكافحها وترقى بها الى وضع افضل باجراءات عملية وفاعلة وصارمة وعناية ورعاية منظمة ومقننة، الى جانب سعي الجهات البحثية في الجامعات والمؤسسات الاجتماعية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني الى البحث عن افضل الصيغ لتطويق مضاعفات هذه الظاهرة على المجتمع ومستقبل الاطفال من خلال تنظيم فعاليات متنوعة “محاضرات وندوات وحلقات نقاشية ومؤتمرات وورش عمل وابحاث” للخروج بخطط وبرامج تستوعب اضرار وآثار هذه الظاهرة التي تنتشر وتتوسع بشكل كبير في المجتمع العراقي وباتت جزءا من حياتنا اليومية ، فهم متواجدون في كل مكان .. منهم من يعمل لكسب عيشه ومنهم يعملون لمكاتب خاصة ( عمالة الأطفال ) والمتاجرة بهم، وتعد هذه الظاهرة ذات أبعاد تربوية وثقافية واقتصادية وأيضا قضية مجتمعية .. وتشير احدث إحصائية للأمم المتحدة الى أن ما يزيد على (150) مليون طفل في مختلف أنحاء العالم في وقتنا الحاضر يصنفون ضمن أطفال الشوارع.
مأساة واقعية
ومن الابحاث التي اعتمدت الدراسة الميدانية للظاهرة وترشحت عنها بعض الافكار التي تخدم في مواجهة الظاهرة والحد من تأثيراتها في اقل تقدير، الدراسة الميدانية التي قامت بها الباحثتان الدكتورة رغد جمال والدكتورة خمائل شاكرالجمالي من جامعة بغداد الموسومة “أطفال الشوارع.. مأساة واقعية ورؤى مستقبلية” وللتعرف على فحوى هذه الدراسة الميدانية وما توصلت لها من معطيات بخصوص الظاهرة حاورنا الدكتورة رغد جمال التي قالت: “اطفال الشوارع ظاهرة اجتماعية بدأت تتوسع بشكل مستمر على مستوى العالم ككل وليس فقط بالعراق والبلدان العربية، التي اصبحت جزءا من حياتنا اليومية، فنجدهم متواجدين في كل مكان، في عملنا ودوائرنا وفي مدارسنا، فمنهم من يعمل لكسب لقمة العيش او من خلال المتاجرة من خلال مكاتب معينة، فضلا عن ابعادها الاخرى”.
واضافت، عرفَت الامم المتحدة اطفال الشوارع بأنهم اي ولد وبنت يتخذان من الشارع بمختلف معانيه بما في ذلك الخرائب والاماكن المهجورة وغيرها مقر اقامة او مصدرا لكسب الرزق دون ان يتمتعا باشراف او توجيه او حماية كافية من قبل اولياء امورهم، ويحدد الباحث الدكتور محمد سيد فهمي اعمار اطفال الشوارع وهي التي تقل عن الثمانية عشر عاما يمشون حياتهم من خلال الشارع وعلاقتهم باسرهم شبه مقطوعة.
فئتان
هل هناك تقسيمات لاطفال الشوارع؟
يقسم اطفال الشوارع لفئتين رئيستين هما: اطفال الشارع، واطفال في الشارع، فالاطفال في الشارع “بحسب تصنيف الهيئات الدولية - منظمة العمل الدولية واليونسيف” هم من يحتفظون ببعض الروابط مع عوائلهم، فهم يعملون طوال اليوم في الشوارع ثم يعودون الى اسرهم. اما اطفال الشارع: وهم الذين يعتمدون اعتمادا كليا على انفسهم وقد تحرروا من جميع الروابط الاسرية جراء هروبهم، ان كان من التيتم او الطلاق بين الوالدين وزواجهما لاحقا والفقر الشديد او التعذيب النفسي والجسدي، وقد اقرت اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها 193 دولة مفهوم الطفل بأنه: كل انسان لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة وما لم يبلغ سن الرشد.
أسباب عائليَّة واجتماعيَّة
وما الاسباب التي تؤدي للعمل في الشوارع او التشرد؟
اسباب عدة منها العائلية “ التفكك الاسري والعنف الاسري “ والذي ينتج عنهما عدم الاهتمام بالاطفال والتمييز بين الابناء وبالتالي يؤديان الى الانعكاسات النفسية التي تجعل الكثير من الاطفال يلجؤون الى الشارع او الاقارب ويعرضون انفسهم لشتى المخاطر، حيث يواجه واقعا موبوءا ومنافيا للاداب والحشمة، علاوة على اعتبارهم الشارع مكانا لاكتساب خبرات ومغامرات جديدة تسهم في اشباع رغباتهم وعواطفهم.
والاسباب الاجتماعية ومنها الظروف الاقتصادية المتعبة، حيث لاتستطيع بعض الاسر توفير حاجات ابنائها الاساسية من مأكل ومشرب ومكان اقامة وعلاج وتعليم واساليب الترفيه ما يدفعها للسماح لاطفالها بالعمل في الشوارع للمساعدة في تأمين الاحتياجات، وسوء البيئة المحيطة التي قد تؤدي مجاورة الفئات المنحرفة الى انحراف الاطفال، والتسلل المدرسي جراء اساليب التعليم الشديدة والصارمة وعدم قدرة الاباء على تحمل مصاريف الدراسة، فضلا عن الهجرة والفقر بشكل عام.
وهناك اسباب خاصة تتعلق بالطفل نفسه مثل الهروب من العنف والضغوطات الاسرية وميل الطفل الى التحرر والحرية وغياب الوعي باهمية اللعب والترفيه بالنسبة للطفل داخل الاسرة وقيام الطفل بالبحث عن هذه الامور بالشارع، واللامبالاة والسلبية من جانب العائلة وعدم الاصغاء الى الطفل وايجاد لغة حوار معه، اضافة الى عدم تلبية حاجاته. واتاح له التواجد بالشارع الحصول على مبالغ نتيجة التسول او السرقة او افعال غير اخلاقية. وباحتواء الشارع على اجواء غرائبية ومغامرات تحرك خيال الطفل او فضاءات مرح متنوعة يكون عنصر جذب قويا للطفل.
وسائل معالجة
وللحد منها والسيطرة عليها ذكرت: يستلزم ايجاد علاج شامل متعدد الابعاد والبداية تكون بالوقاية عن طريق التدخل في محاولة للوصول الى تامين اعادة تأهيل هؤلاء المشردين واعادة دمجهم في المجتمع. وتوفير اجواء تتيح لهذه الفئة الانخراط فيها ودعمها ورعايتها ومنها “النوادي الرياضية والترفيهية وحتى العبادية “ لابراز قدراتهم ومواهبهم من جانب . ولاكتسابهم مهارات وامكانيات من خلال التمرين والتدريب والتأهيل”. ومساعدة الاسر الفقيرة ومن ذوي الدخل المحدود ان كان بتوفير وظيفة لاحد افراد الاسرة اومنحها راتبا يساعدها . وتوفير اجواء دراسية منضبطة ومشجعة. واصدار تشريعات مستنبطة من تجارب دول العالم والتوصيات الصادرة من الفعاليات بهذا
الخصوص.