من هو المتخلف؟!

آراء 2019/05/10
...

أحمد حسين
من هو المتخلف؟، سؤال يبدو ساذجا للوهلة الأولى، ولكي لا نعقد الموضوع كما فعلت النائبة هيفاء الأمين وجاءت بتعريفات ما أنزل بها التعقل من سلطان حتى جعلته وكأنه مبحث فلسفي، التخلف وبكل بساطة هو التأخر عن كل ما سبقك، هذا أبسط تعريف لغوي لهذا المصطلح الفلسفي العميق والشائك الذي على ما يبدو تخلفت النائبة الأمين عن 
فهمه.
تقول النائبة في ندوة أقيمت في العاصمة اللبنانية بيروت وهي تخاطب الحضور وهم من جنسيات عربية مختلفة لكن معظمهم من الأخوة اللبنانيين، تقول بالحرف الواحد: “أنتم مجتمع متحضر متمدن. نحن في العراق غلب علينا الطابع والعادات والتقاليد والموروث القديم والمتخلف...... أنا من الجنوب، والجنوب هو أكثر تخلفاً كمنطقة قياساً ببغداد وكردستان التي تجاوزت الكثير من التراجع في نسبة الأمية والعمل والحقوق وإقرار القوانين الخاصة بالمرأة لأن كردستان حققت الحكم الذاتي من عام 
1991”. 
هذا نص ما قالته النائبة، وبعد هذه الإهانة والاستفزاز لمشاعر الملايين وحين جاءت ردود الفعل بما لم تتوقعه النائبة على ما يبدو، حاولت الاعتذار عبر منشور على صفحتها في موقع (فيسبوك)، لكن المشكلة أنها في منشور الاعتذار الافتراضي هذا أوغلت في الإهانة بل أنها فصلتها تفصيلا وأسهبت وتوسعت بها لتشمل تفاصيل متعددة من جوانب حياة العراقيين عموماً والجنوبيين بشكل أخص، وكأنها أخذت بالمثل الشعبي القائل (أجا يكحلها 
عماها).
على كل حال، سواء كحلت النائبة أعين العراقيين أو أعمتها هذا أمر متروك للاجتهادات، ما يعنيني هنا هو فهمها للتخلف، فهي عندما تحدثت في ندوة بيروت قصدت وبكل وضوح ودون لبس تخلف المجتمع ولم تقصد المدينة في كل ما قالتها، “أنتم مجتمع متحضر متمدن. نحن في العراق غلب علينا الطابع القديم والمتخلف” فأين المدينة وعمرانها وتطورها في ما 
قالته؟
 وأردفت “كردستان تجاوزت الكثير من الأمية والعمل والحقوق وإقرار القوانين الخاصة بالمرأة” فهل قصدت أن المرأة صرح معماري، وأن الأمية مدينة ألعاب، والعمل دولة مؤسساتية، والقوانين شوارع وأحياء سكنية، أم 
ماذا؟!.
حقيقة أنا لا أفهم أسباب عقدة الشعور بالنقص أمام الآخرين التي تلازم البعض ما أن يغادروا حدود العراق أو يلتقون بأناس من جنسيات أخرى، لماذا هذا الإيغال في جلد الذات والوقوف أمام الآخر وقوف العابد بين يديّ المعبود؟.
ما فات النائبة هيفاء الأمين أن اللبنانيين الذين ترى أنهم أكثر تحضراً وتمدناً من العراقيين كانوا حتى وقت قريب يجلدون حكومتهم جلداً حين تراكمت النفايات في بيروت وتسببت حتى بتأثيرات على حركة الطيران، حتى أنهم خرجوا بتظاهرات وحملوا لافتات كتب عليها “ريحتكم فاحت” في إشارة واضحة منهم لتقريع حكومتهم بسبب الإهمال ولم يجلدوا أنفسهم ويهينوا كرامتهم ولم يتهمهم أحد بالتخلف لا من داخلهم ولا من خارجهم، فإذا كان هذا هو معيار التحضر والتمدن بالنسبة للنائبة الأمين فالعراقيين فعلوا أكثر مما فعل أشقائهم وأصدقائهم اللبنانيين فتظاهراتنا متواصلة ضد الحكومات لأي سبب كان، وأصوات المواطنين الغاضبين الناقمين الناقدين للمسؤولين والسياسيين تتناقلها وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، فما الفرق بين الشعبين يا سيادة 
النائبة؟.
يا سيادة النائبة كان عليكِ بدلاً من أن تهيني شعبكِ ونفسكِ أمام الآخرين وعلى الملأ أن تنتقدي الحكومة التي كتلتكِ جزء منها، وأن تنتقدي مجلس النواب الذي كتلتكِ إحدى كتله الكبيرة وتحالف كتلتكِ هو الأكبر كما تقولون، وأن تجلدي المسؤول المقصر بدلاً من جلد ذاتكِ وشعبكِ أمام من علت وجوههم الابتسامة حين تفوهتِ بما تفوهتِ به
، كما أن شيئاً في غاية الأهمية فاتكِ يا سيادة النائبة، وهو طبيعة دوركِ كبرلمانية، دوركِ هو الرقابة والتشريع وحث السلطة التنفيذية على تصحيح الأخطاء وليس إهانة الشعب الذي 
انتخبكِ.
لا أحد ينكر أن هناك نسبة تخلف وأمية وتراجع على المستويات كافة، لكن هذا دور الصحافة والإعلام يا سيادة النائبة وليس دوركِ، واجب السلطة الرابعة هو تسليط الضوء على السلبيات لكي تقوم الجهات المعنية بدورها، وأول وأهم تلك الجهات هو مجلس النواب الذي أنتِ عضو فيه
، ودوركِ ودور مجلسكِ الذي على ما يبدو أنكِ لا تعرفينه هو إيجاد الحلول والمعالجات ودفع السلطة التنفيذية للعمل بها
، دوركم يا سيادة النائبة ليس التشهير بشعبكِ وتحويل السلبيات إلى سبة تهينون بها الآخرين بل الرد على من يفعل ذلك وتوبيخه احتراماً لشعبكِ وحفاظاً على كرامته، هذا هو دوركِ ودور كل من يتصدى للمسؤولية وليس اعتلاء المنصات لتمثيل دور الإنسان الذي لا يخشى في إهانة شعبه لومة لائم، والمصيبة أنكِ لم تثبتي على ذلك بل خشيتي وتراجعتي وأقررت بأن التعبير خانكِ رغم أنه لم يخنكِ بل أنتِ من خنتِ ثقة من منحوكِ 
أصواتهم.
أخيراً، لماذا حذفتِ منشور الاعتذار من صفحتكِ، أليس هو اعتذار منكِ لمن أسأتي لهم، فهل فيه شيء مسيء فحذفتهِ أم أنكِ ندمتِ على 
الاعتذار؟!.