رغم الإيرادات الضخمة.. الفقر موسم العراقيين الدائم

ريبورتاج 2023/10/19
...

  حنين صابر

يستشري الفقر في حياة العراقيين ليجعلها مأساويَّة بنهاية مجهولة، فذلك عصام يحاول قدر استطاعته أن يعيل أسرته المتكونة من ثلاثة أشخاص، فهو يمتهن بيع (السمسمية) في تقاطع منطقة الشعب شمالي العاصمة، إلا أنه يتساءل مع نفسه كلما رأى المتسولين وهم يحصلون على الأموال باستمرار بينما لم يبع عصام إلا بمبلغ ثلاثة آلاف دينار، هل استطيع أن أفعل ذلك بلا إراقة ماء وجهي، مسك «ابو السمسمية» النقود واعتصرها براحة يديه وهو يقول: لو كان الفقر رجلا لقتلته.

مشاهد فقر مؤذية للقلب، ومؤنبة للضمير، تكاد لا تخلو منها أغلب المدن العراقيَّة، ستجدها في الأسواق الشعبيَّة والشوارع وأزقة المدن، قد تراها  بالعشوائيات المنتشرة في العراق، بينما نلتمس الفقر بوضوح في المدارس والمستشفيات، فمتى نتحرر من جبروت هذه الآفة؟


ثلاث مراحل

دراسة لمركز الأبحاث الفرنسي (CFRI) بشأن العراق كشفت عن اتساع حجم الفوارق بين الطبقات المجتمعيّة في بلد يطفو على بحر من الثروات وانقسام المجتمع إلى طبقات عليا تعيش الترف تمثلها الأقلية من الشعب وطبقة دنيا تحت خط الفقر تصارع من أجل البقاء، بسبب الفساد المستشري وسوء إدارة موارد الدولة.

ويشهد غالبية العراقيين على أنَّ هناك الكثير من المسببات لانتشار هذه الآفة داخل المجتمع، فالحروب والحكومات المتعاقبة، فضلا عن الفساد الماليّ والإداريّ وغياب التخطيط التي جعلت آفة الفقر متجذرة في شتى مفاصل البلد.

الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أكد لـ(الصباح) أنَّ "الوزارة تقوم بإجراء المسح الاقتصادي والاجتماعي للأسرة في العراق عن طريق الجهاز المركزي للإحصاء، وهذا المسح بدأت مرحلته الأولى في النصف الثاني من هذه السنة من شهر تموز الماضي، إذ تستمر المرحلة الأولى لمدة 6 أشهر، تليها المرحلة الثانية التي تبدأ مع مطلع العام المقبل 2024 وتنتهي بنهاية النصف الأول بنهاية شهر حزيران”. وأشار إلى أن "هذا المسح سيوفر لنا مؤشرات جديدة عن الفقر، وعن خط الفقر أيضاً، ونقوم بالتركيز على المحافظات الأكثر فقراً وبالتالي ستكون مُخرجات هذا المسح مدخلات مهمة للخطط المستقبليَّة لمكافحة الفقر في البلاد".

يضيف الهنداوي "إننا بصدد الشروع باستراتيجية مكافحة الفقر الثالثة في العراق للسنوات الأربع المقبلة 2024 2028-  وهذه الاستراتيجية ستأخذ بنظر الاعتبار واقع الفقر بناءً على المؤشرات التي سيفرزها المسح الجديد، وتأخذ أيضاً الفقر متعدد الأبعاد في مجال السكن والصّحة والتعليم فضلاً عن الدخل والغذاء".


«المطيرچي»

ويكتفي محسن بالجلوس فوق سطح المنزل ليراقب حشود الحمام وهي تأكل وتطير، فهو حسب قول زوجته هيام قد أدمن هذه المتعة، ورغم العديد من المحاولات التي سعى إليها محسن لإيجاد عملٍ يسد رمقه وزوجته، لكنه صار يجعل من أولويته قربه من حماماته، هيام بالمقابل رفضت أنْ تنصاع إلى صوت الفقر وهو يصدر من معدتها هي وأسرتهابين الحين والآخر، لذلك قررت أنْ تقوم بمهام الزوج لتقوم بكل ما يلزم لتوفير الأموال، فهي تقوم بصناعة الخبز والمعجنات والأطعمة لميسوري الحال في المنطقة، تطرز وتنظف، فحسب قولها «سأقوم بكل شيء إلا أنْ نمدَّ يدينا لطلب المساعدة». 

ومثل هيام وزوجها العاطل عن العمل، التصقت شكريَّة (51 عاماً) على كرسي قد نصب في محل صغير لتبيع من خلاله المواد الغذائيَّة لسكنة المنطقة، فهي تعاني من آفة الفقر أيضاً، وحسب قولها بأنّها مهما كدت وعملت وعانت فإنَّها سوف لن تتخلص من الفقر، لتقلد ما تسمعه من أقرانها من الفقراء لتكرره وتقول: "إنّ الفقير إله الله».


مسؤولية الفرد والدولة

يفتتح الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي، حديثه لـ(الصباح)، إذ قال إنَّ «الفقر هو أساس كل الظواهر السلبيّة في المجتمع فلو تصفحنا كل الظواهر السلبيَّة الاجتماعيَّة كالتسول والطلاق والانحراف والابتزاز الالكتروني سنرى أن الفقر يأخذ المرتبة الأولى، فهو يجعل الإنسان غير متوازنٍ لأنه يفقده الحاجات الأساسية كالسكن والمأكل والمشرب إذ يجب أنْ تتوفر لدى كل فرد». منوهاً بأنَّ «أسباب الفقر معروفة إذ إن السبب الاقتصادي الأول هو عدم توزيع الثروة بشكلٍ عادلٍ في المجتمع نتيجة المحسوبية والفساد الإداري والمالي والتدخلات الخارجيَّة، وأيضاً في بعض الأحيان يكون السبب في الدولة نفسها وهذا ليس فقط في العراق فهناك دول لا تمتلك موارد طبيعيَّة أو صناعيَّة حتى يكون هناك توازنٌ بين الموارد والحاجة الأساسيَّة للإنسان بالتالي سيكون هناك فقر». يقدم الخفاجي في ختام حديثه حلولاً للتقليص من حجم ظاهرة الفقر ويبين، أنَّ «الحلول يجب أنْ تكون على مستوى الفرد ومستوى الدولة، فالمستوى الفردي يجب أنْ يكون متوازنا بين مخرجات الاقتصاد التي يمتلكها وبين عدد الأسر التي يتضمنها، معنى ذلك أنَّ الإنسان يجب ألا ينجب كثيراً وهو لا يمتلك مورداً اقتصادياً يعيل هذه الأسرة، أما القضيَّة العامَّة «قضية الدولة» يجب أنْ يكون هناك توزيعٌ عادلٌ للثروة وتفعيلٌ لقضيَّة الصناعة والزراعة والتجارة وبالتالي ستكون هناك سيطرة على السوق ونستطيع آنذاك أنْ نقلل المستوى العام للفقر».