بغداد/ فجر محمد
قبل ايام انتهت اجواء الطلاب الاحتفالية بتخرجهم، ومثل كل عام هناك ازياء خاصة بالطلبة تستوحى اما من الفولكلور او المسلسلات التاريخية وغالبا ما تكون مقبولة اجتماعيا، ولكن ما لوحظ هذا العام وجود ازياء لا تليق بالذوق العام، فقد ظهر احد الطلاب وهو يرتدي زي امرأة حامل واخرون ارتدوا اشكال حيوانات وبألوان مختلفة. بداخل احدى الجامعات ارتدت احدى الطالبات الجامعيات ألق ياسين الزي البغدادي وتقول وهي مبتهجة:
“اخترنا انا وزملائي ان نرتدي الزي البغدادي المتمثل بالعباءة والثياب الفولكلورية والسدارة والملابس التراثية ، وقد اخترنا الزي البغدادي من بين الكثير اذ وجدناه الاقرب الينا وايضا رغبة منا بتكريم ازيائنا التراثية وابتعدنا تماما عن تلك التي تثير الاستياء والبعيدة عن روح مجتمعنا”.
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اشارت في اكثر من مناسبة الى ضرورة التزام الطلبة بالزي المحترم ، وحسب الناطق الرسمي باسم الوزارة الدكتورة ظمياء الربيعي فقد اصدرت تعليمات بمنع الحفلات التنكرية وارتداء الازياء داخل الحرم الجامعي، ولكن من حق الطلاب ان يحتفلوا خارج اروقة الجامعة، وكل هذا من اجل الحفاظ على التقاليد والاعراف الاكاديمية مع ضرورة ان تكون الحفلات انعكاسا لهذه القيم”. وفي الوقت نفسه اكدت على ضرورة احترام ازياء معينة كاللباس العسكري والديني ومنع الاستهانة بهما او التقليل من شأنهما، كما ان الجامعة التي ترتكب انتهاكات بهذا الخصوص تحاسب من قبل الوزارة، ويشار الى ان الانتهاك الذي حصل في جامعة ذي قار من خلال اقحام النشيد الوطني للنظام السابق قد جرى التحقيق بشأنه ومازالت الوزارة تتابع الموضوع بشكل مباشر لمحاسبة المقصرين والمسيئين.
رسائل انسانية
عندما يظهر شاب جامعي وهو يرتدي ملابس اطفال ويسمح بالتقاط الصور له وهو مبتهج، هنا لابد من دق ناقوس الخطر هذا ما قاله الباحث بالشؤون الاجتماعية الدكتور ولي الخفاجي وتابع قوله:
“في الستينيات والسبعينيات كان الطلبة الجامعيون هم من اهم مكونات الطبقة المثقفة، اذ يعتمد عليهم في بناء المستقبل فهم كانوا المحرك الاساس للثورات والانتفاضات الوطنية، ويروي الخفاجي حادثة حصلت في ثمانينيات القرن الماضي اذ يقول:
“حدثت سرقة بداخل احد الباصات واقتيد كل الموجودين الى مركز الشرطة وهناك طلب الضابط من الطلاب المغادرة لاستبعاده اياهم من عملية السرقة فلا يعقل ان يرتكب الطالب الجامعي المثقف هكذا جناية مخلة بالشرف.
وفيما يخص الحفلات التي كان يقيمها الطلبة انذاك في فترة السبعينيات والثمانينيات فقد كانت توصل رسالة معينة الى المجتمع منها انسانية واخرى وطنية فقد كانت تناقش ظاهرة النهوة التي كانت موجودة بشكل كبير في ذلك الوقت، فضلا عن قضية الثأر اذ كان الطلبة يحاولون ان يعكسوا ظروفهم الاجتماعية والسياسية، اما في السنوات الاخيرة فنلاحظ غياب الوعي عنهم وتشبثهم بقيم وتقاليد بعيدة عن المجتمع”.
قضية اجتماعية
في جامعة اخرى ظهر شباب يرتدون زي حيوانات وتحديدا الاغنام، ويقفون وسط زملائهم وهم مبتهجون دون الشعور بالخجل او الاستياء من شكلهم العام.
الباحثة بالشؤون الاجتماعية والنفسية الدكتورة ندى العابدي تلفت الى ضرورة الانتباه لخطورة سلوك الطلاب هذا فعلى الرغم من منع وزارة التعليم للازياء التي تثير الاستياء والبعيدة عن الذوق العام الا انهم يصرون على ارتدائها، وان تعرضوا للمطاردة والعقوبة من قبل كوادرهم التدريسية والاشراف العام الوزاري، وهذا الامر اثار قلق الباحثين الاجتماعيين لكون هؤلاء الشباب يمثلون قاعدة واسعة من المجتمع وتمسكهم بهكذا تصرفات يعني انهم لا يشعرون بالانتماء للوطن ولمحيطهم العام، لذلك لابد من ايلاء الطلبة الاهتمام الاكبر كي يعودوا الى طبيعتهم، لان الطالب الجامعي اليوم يخاف من المستقبل وان يكون من ضمن جيش العاطلين عن العمل وهكذا فهو بتصرفاته هذه يعكس مخاوفه.
تقليد الغرب
في حفلة اخرى كان بعض الطلبة يرتدون ازياء غربية وتختفي منها اللمسات العربية وتقول الطالبة الجامعية ريام كرم:
“ان الطلبة يبحثون عن التغيير والتجدد دائما لذلك يقع اختيارهم على ازياء مختلفة، وغالبا ما ما ينتقي الطلاب الازياء الغربية رغبة منهم بمحاكاة التطور والتجدد، واذا كان الزي محترما ولا يسيء لاحد فما المشكلة ؟
توضح العابدي ان الطلبة بتصرفهم هذا يحاولون ارسال رسائل الى المجتمع وهي انهم لا ينتمون له ويرفضون عاداته وتقاليده، ويستنسخون افكارا غربية دون الرجوع الى جذورهم المحلية، وهناك تجارب متعددة اذ كان الطلاب في السنوات التي كان فيها نظام داعش يفرض سيطرته على بعض المحافظات ارتدوا زيه وحاولوا تقليد ممارساته، وبعد ان انتهى التنظيم الارهابي من البلاد اصبح الطلبة يبحثون عن افكار اخرى بقصد اثارة المجتمع ضدهم تارة ولفت الانتباه اليهم تارة اخرى فقد اختاروا هذا العام لعبة البوبجي الرائجة بين الشباب اذ ارتدوا الملابس الخاصة بهذه اللعبة رغبة منهم في محاكاة الواقع.
رفض واستنكار
الطالب الجامعي ايمن كريم ابدى استياءه من الازياء التي ارتداها زملاءه ، فهو يقول:
“ان بعض الطلاب حصل على ازيائه التنكرية او ما يعرف بحفلة الحنة من احد مواقع التسوق على الانترنت وكلفته مبالغ باهظة، وهذا الامر مبالغ به اذ توجد ملابس محترمة وتكلفتها غير عالية ولا ترهق كاهل الطالب او ذويه، ولكن الكثير من الطلبة لديه حب الاستعراض لذا يقع اختيارهم على ازياء مكلفة”.
الباحث بالشؤون الاجتماعية ولي الخفاجي يرى ان الازياء التي استخدمت هذا العام اثارت رفض واستنكار الكثيرين خصوصا تلك الخاصة بالحيوانات وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور هؤلاء الشباب وهم يرتدون ازياء مختلفة.
ولكن هذه مؤشرات على حالات الارتباك والقلق الذي يعيشه الشاب فعندما يتحدث اليوم تجد نبرة اليأس والحزن مسيطرة عليه اذ يجد مستقبله مظلما وغير واضح المعالم، فعوضا عن توقعه الافضل وان يكون على قدر عال من المسؤولية ويفكر ببناء الوطن نجده يفكر هكذا مع انه لا يخفى على احد ان الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بالشباب تترك اثارها النفسية والاجتماعية بشكل واضح، فضلا عن غياب الجدية في التدريس في الكثير من المؤسسات صنع حالة من اليأس لدى الطالب، لذا يقع على عاتق الجهات المعنية ان تحتضن الشباب وبنفس الوقت تحاسبهم اذا ما استخدموا ازياء بعيدة عن الذوق العام فالحرية الشخصية لا تعني انتهاك حرية الاخرين، كما ان الطالب الجامعي يتحمل قدرا عاليا من المسؤولية في ايصال رسائل صحيحة للمجتمع اذ لا يجوز ان يسيطر عليه اليأس وهو في بداية مشواره
الحياتي.