ابراهيم العبادي
مع ارتفاع وتيرة التصعيد الكلامي والاستعدادات العسكرية بين الولايات المتحدة وايران، ينشغل العالم اجمع باحتمال اندلاع حرب جديدة في الشرق الاوسط، ويذهب الكثير من المراقبين والمحللين والساسة الى استبعاد وقوع الحرب لان الطرفين الاميركي والايراني لا يريدان الحرب فعليا، ويستدلون بعقلية الرئيس ترامب الذي كان يعيب على اسلافه الدخول في حروب لا نتائج كبيرة فيها لصالح الولايات المتحدة، مما اضعف اقتصادها وجعل الصين ودولا اخرى تنافسها منافسة شديدة على ريادة الاعمال والنمو الاقتصادي وتكديس الثروات التي هي لب سياسات الهيمنة والتوسع وحماية المصالح في جهات العالم الاربع، لكن ترامب احاط نفسه بصقور يمثلون على الدوام اتجاهات القوة ودعاة الحسم العسكري في التاريخ السياسي الاميركي امثال بولتون وبومبيو وروبيو، وقد تغري حسابات الصقور عقلية الصفقات وحسابات المال والاقتصاد فتكون جدوى الحرب اكثر من مخاوف ذوي المال والبورصات، وهنا ندخل في منهج قراءة سايكولوجية صناع القرارات ومديري الازمات، من يغلب من؟، واي اتجاهات رأي ترجح على أخرى؟، من قرأ كتب المذكرات والوثائق التي تفرج عنها الادارات الاميركية يستطيع ان يبلور رؤية عن صناعة قرارات الحرب والسلام في التاريخ الاميركي المعاصر، ابتداء من ويلسون مرورا بروزفلت وترومان وايزنهاور وكنيدي وجونسون وريغان وحتى جورج بوش وابنه، ويكتشف عمق او ضحالة مناقشات خبراء السلطة ومدراء التخطيط في اجهزة الاستخبارات والبنتاغون ومجلس الامن القومي والخارجية، ومن يؤثر في مشاوراتهم؟ وما هي الدوافع النفسية وسمات الشخصية التي تفرض حضورها في تحديد الخيارات والدفع باتجاه الموقف الاخير، فقد كانت الاتجاهات المتحفظة هي الاخفض صوتا والمتحمسون للحرب كانوا المنتصرين دائما، الامر الذي يشجع الرئيس المتردد او المتحفظ لتجاوز وساوسه، حدث ذلك في عملية غزو كوبا ايام كنيدي وقصف فيتنام الشمالية في عهد جونسون، كنماذج واضحة. من هنا اقول ان لعبة المراهنة على كراهية ترامب للحرب وتحبيذه الصفقات قد لا تنفع في تكوين رأي صائب لدى القلقين والمتوجسين الذين عليهم حساب اسوأ الاحتمالات والاستعداد لكل المخاطر، خاصة نحن في العراق المرشح لأسوأ الكوابيس اذا ما اندلعت الحرب، فبلادنا وسط المعركة وقلبها وقد خبرنا اكثر من غيرنا، نتائج الحروب والحصارات والشرور التي تنتجها تلك الحروب من افكار متطرفة وجماعات عنف مؤدلجة وانهيارات اجتماعية واخلاقية واعطاب بالجملة في العقل السياسي والهويات والثقافة والبنى الاقتصادية.
نحن في العراق يتجاذبنا منهجان في التعامل مع الازمات الداخلية والخارجية التي لها ارتباط باستقرارنا، المنهج الاول يرى ضرورة التشبث باعادة بناء الدولة والحفر بالصخور من اجل الحفاظ على الامن والهدوء والاستقرار لضمان بناء المؤسسات وترميم الهوية الوطنية المحطمة والقيم والاخلاق المرتبطة بها، وابعاد العراق عن كل السياسات والمواقف والمحاور والازمات التي تعطل او تعيق تلك المهمة الضرورية، وتهدد سلامة البلاد والوحدة المجتمعية، هذا المنهج مازال وفيا لمنطق الدولة - الامة، ومصالحها المقدمة على كل مصلحة وقيمة، اما المنهج الاخر فيرى ان بناء الدولة لا يكون على حساب المبادئ والقيم الدينية والاخلاقية ووجوب مواجهة الظلم والعدوان والانتصار للشقيق والجار، وبالتالي لا حياد ولا نأي بالنفس، لانها دعاوى وتسويلات مضللة، تريد تحييد العراقيين او قسم منهم، عن القيام بواجب النصرة والدفاع عن الخط الاسلامي والوطني، الذي يقف بوجه مشاريع الاستكبار والصهيونية والممانعة والمقاومة ضد مايراد للمنطقة وشعوبها من تدجين وتهويد ثقافي وسياسي، هذا المنهج يفكر بما بعد نموذج الدولة - الامة، ويرى ان المصلحة في عالم الافكار والقيم والواجب الاخلاقي والشرعي. كلا المنهجين يمتلكان حججا ومدونة ثقافية وسياسية وامكانات وسلاحا ومصالح وانصارا، وكلاهما يتصارعان ويتنافسان على ارض العراق بوصفه بوصلة حسم الاتجاهات والمعارك في المنطقة، الاخرون خارج العراق، منقسمون ايضا بين خائف من تبعات الحرب الاقتصادية والاجتماعية، وبين متمن لوقوع الحرب ظنا منه انها ستكون خاطفة وسريعة كما هو حال بعض نخب الخليج وهذه تعتقد بان دولها احاطت نفسها بمظلة دفاعية تمكنها من الصمود وتحمل بعض الخسائر، بأمل الخلاص من (كابوس) التهديد الايراني، تغريدات مستشار ولي عهد ابوظبي الدكتور عبد الخالق عبد الله مثلت الاتجاه الاخير الذي يدفع باتجاه الحرب، وردود رجل الاعمال الاماراتي احمد الحبتور تلخص وجهة النظر الخائفة والقلقة. وهما رؤيتان ستكونان موضع تنافس على طاولة معسكري الدافعين نحو الحرب والساعين لتفاديها والبحث عن بدائلها. في مثل هذا الخطر الذي يقترب ينبغي ان تكون حسابات رجال الدولة والزعامات السياسية والدينية وفق اسوأ السيناريوهات واعقدها، لتضمن مكانا لمحط اقدامها، قبيل وقوع الحرب، وفي اثنائها وما بعدها .