وضع خاتمة في العراق

آراء 2019/05/13
...

ترجمة – انيس الصفار 
جيف فورتنبري*
عندما تتخذ الحكومة القرارات لا تكون قراراتها متعلقة دائماً ببرامج طيبة، بل يكون الامر متعلقاً بالحياة والموت في بعض الاحيان. في تلك الليلة، وأنا في غرفة مكتبي بواشنطن، وقفت اتطلع الى صور مؤطرة لشبان وشابات من ولاية نبراسكا فقدوا حياتهم في العراق. بعضهم كنت أعرف عوائلهم، وبعضهم الآخر لم التق بهم على الاطلاق، طاف ببالي أننا قد بذلنا الكثير وخسرنا ما خسرناه في العراق، لذا يصعب علي أن اتفهم دواعي التورط هناك اكثر مما تورطنا حتى الان.
ثمة حقيقة ثابتة، هنالك ما يقارب 400 ألف ايزيدي من منطقة شمال العراق لا يزالون محصورين في مخيمات لا يستطيعون العودة الى مناطقهم آمنين. كان العراق فيما مضى ايضاً موطناً لأكثر من 1,5 مليون مسيحي، واليوم لم يعد منهم سوى 250 ألفاً أو نحو ذلك لا يزالون يعيشون فيه متشبثين بالبقاء. هناك مناطق واسعة من شمال العراق تحت سيطرة المليشيات.
في الاسبوع الماضي ظهرت على شاشة التلفزيون التربوي في ولاية نبراسكا وظهرت معي نبراس خديده. نبراس واحدة من 3000 أيزيدي يقيمون في نبراسكا، وبذلك يشكلون أكبر تجمع لهذه الشريحة في أميركا. التقيت بنبراس لأول مرة قبل اكثر من عامين في لنكولن حين كتبت الي رسالة بلغة انكليزية ركيكة محركة للمشاعر، بعد ذلك أخذت نبراس تتقدم بسرعة في عملها كمتدربة في مكتبي، ثم اصبحت من دعاة الحوار في مدرستها الثانوية وصارت تلقي على زملائها في الصف خطابات استهلالية، وهي اليوم طالبة متميزة حائزة على شهادات تكريم من جامعة كرايتون بولاية أوماها.
نبراس واحدة فقط من المستفيدين من برنامج قدمته الى الكونغرس، ذلك البرنامج مكن والدها وآخرين مثله، ممن خدموا القوات الاميركية في العراق بكل شجاعة، من الحصول على حق الدخول الى الولايات المتحدة. برامج اللجوء التي اسسناها إنما كانت لخدمة اشخاص مثل عائلة خديده الذين يواجهون خطر الموت الشيطاني المحقق على يد قوى اجرامية باغية. لذا يترتب علينا، بوصفنا مجتمعاً متعدد الجنسيات، أن نسعى لتوفير الظروف الامنة على الارض كي يتمكن النازحون من العودة الى مواطنهم ومساكنهم. بالنسبة لأيزيديي ولاية نبراسكا (الذين هم اليوم أميركيون وطنيون متمسكون برباط الولاء لديانتهم وتقاليدهم الثقافية القديمة) هذا هو عين ما يتمنونه لاصدقائهم وافراد عوائلهم الموجودين اليوم هناك في العراق.
انهاء التدخل في العراق مسألة وراءها عدد من الديناميكيات الاساسية، أولها أن “داعش” قد دحرت الى حد بعيد، ولو أنها لم تتلق الضربة الماحقة بعد. لقد قاتل الجيش العراقي، بدعم وقيادة من حكومة الولايات المتحدة وكذلك من تحالف شركائها الدوليين، ببسالة وهو اليوم قوة قادرة على النهوض بالمهام الموكلة اليها. ثانياً أننا قد حولنا اموالاً من المؤسسات متعددة الاطراف بهدف اغاثة الشرائح الاكثر عرضة للحصار والانعزال. ثالثاً، القدرة على ادامة هذه السيولة عمادها الامن. كان هذا هو ما توصلت اليه بشكل قاطع على اساس التقييم الذي اجريته بالنيابة عن نائب الرئيس بنس في الصيف الماضي في العراق.
في خطاب “حالة الاتحاد” لهذه السنة كانت ضيفة الشرف عندي هي “نادية مراد” الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وهي السبية التي تعرضت للبيع في سوق النخاسة الجنسية من قبل “داعش” إلى ان تمكنت من النجاة أخيراً بمساعدة عائلة مسلمة. قبل وصول نادية الى مكتبي كنت اتحدث الى مراسل من صحيفة واشنطن بوست فأخبرته بأن أهم ما نحتاج اليه في شمال العراق هو إيجاد منطقة توطين مؤمنة لحماية الاقليات الدينية. عندما وصلت نادية، وبدون اي تنسيق معي، أكدت هي الاخرى هذا الرأي الذي خلصت اليه.
دعماً لهذا الهدف قدمت مؤخراً، ومعي صديقتي “آنا إيشو” (وهي عضو ديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا)، مشروع قرار مجلس النواب رقم 259، المعروف خارج الاطار الرسمي بـ”قرار الأمن في شمال العراق”. يتضمن مشروع القرار المذكور:
• جعل دعم العودة الامنة للنازحين والاهالي المحليين الى سهل نينوى وسنجار ومواطن الاجداد سياسة ذات أولوية بالنسبة للولايات المتحدة.
• توجيه الدعوة للحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان للعمل على دمج الاقليات الدينية بشكل اوسع في قوات الامن العراقية والبيشمركة الكردية.
• التأكيد على اهمية العمل مع الشركاء الدوليين لبلوغ الاهداف المشار اليها.
 يمثل “قرار الأمن في شمال العراق” التزاماً متواضعاً تترتب عليه نتائج كبيرة، وكلي أمل أن يوافق عليه الكونغرس الاميركي. فما لم تتحقق الثمرة المرجوة من موقع التوطين المؤمّن هذا بإدارة عراقية سوف تواصل المليشيات المدعومة من إيران تدخلاتها في مناطق شمال العراق وسوف تستمر هجرة الاقليات الدينية والاثنية جماعياً الى اوروبا وسيمتلئ المشهد بمخيمات دائمية للاجئين تتناثر في كل مكان.
لا شيء يمكن أن يعوض عن الخسارة الهائلة في الارواح والاعضاء التي تعرض لها الاميركيون في مسعاهم لجعل العراق ينعم ولو بلمحة من حياة طبيعية .. ببارقة أمل وفرصة للسلام الدائم. عطاؤهم الذي قدموه من خلال ذلك الواجب الاخير لن يسد الفراغ الذي خلفوه في قلوب عوائلهم أو قلوبنا، ولكنه سيساعد في وضع نهاية للتورط الاميركي في العراق الذي دام عقوداً، وفي الوقت نفسه سوف يكفل العدالة للمظلومين والاستقرار للعراق ويحافظ على نسيج العراق الغني بتعدديته الدينية الضرورية لقيام السلام في منطقة الشرق الاوسط.   
* عضو الكونغرس الأميركي