التنمية البشرية بين الرواسب الثقافية وهشاشة الإرادة

آراء 2019/05/13
...

د.عبد الواحد مشعل
 
   لاشك ان حالة التغير السياسي والثقافي في العراق بعد 2003، تحتاج إلى وقفة تحليلية لواقع التنمية البشرية وبناء الدولة الحديثة في مجتمع متغير لا تزال الثقافة التقليدية فاعلة فيه وتتوغل في مؤسساته  كافة، تقابلها هشاشة في الإرادة مع تنامي حالات الفساد على نطاق واسع ما كان سببا في ضعف الإرادة تجاه أي خطوة جادة نحو التنمية ،ونظرة متفحصة لهذا الواقع يجعل الباحثين والدارسين في علم الاجتماع والانثروبولوجيا والاختصاصات القريبة الأخرى يفكرون في إجراء دراسات علمية ميدانية لكشف حجم التأثير الذي تتركه الرواسب الثقافية في تنفيذ الخطة التنموية الشاملة كطريق لبناء الدولة المنتجة، لان من أهم مقومات التنمية البشرية  هي مشاركة الأهالي فيها عن وعي ودراية بنتائجها على تطور المجتمع وتوفر الإرادة في إجرائها، ومواجهة التحديات التي تقف في طريقها ، فضلا عن تنمية الوعي الاجتماعي بالسلوك الديمقراطي وتحقيق حقوق الإنسان، ولما كانت الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية الضاغطة على المجتمع العراقي منذ أكثر من ثلاث عقود تركت اثأرا كبيرة على بنية العقلية العراقية، إذ تراجعت ثقافة المجتمع كثيرا مما جعل التفكير بعملية التحديث الثقافي يجد معارضة اجتماعية على نطاق واسع ، كما ان الخلافات السياسة  على الساحة العراقية أخذت تؤثر على سير العمل التنموي واضعف الإرادة ، ما ينذر ذلك  بتعطيل بناء الدولة العراقية، الأمر الذي يتطلب  فهم أكثر لتأثير الرواسب الثقافية في  البرامج المجتمعية والتنموية في المرحلة الحالية والتي ينبغي تنفيذها في عالم متغير لا يقبل التأجيل وألا تأخرنا عن سير التطور الذي يجتاح عالمنا المعاصر، لذا فان أي خطوة باتجاه الأمام لابد أن تستند على  تحليل الواقع الثقافي والأنساق القيمية المؤثرة في تفكير الإنسان العراقي المعاصر سواء في مواقع السلطة  أو في المجتمع العريض، كما أنها تأتي في سياق تقييم علمي وثقافي واجتماعي لعمل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وحتى الآن ،بهدف كشف حجم تأثير الرواسب الثقافية من انساق ثقافية ريفية وشعبية وعادات وتقاليد مسيطرة على عقلية الطبقة السياسية والتي لايزال الكثير منها ينظر إلى عملية التحديث على وفق مصالحها الاجتماعية أو الفئوية.
 إن دراسة الجانب الثقافي بمجاله الواسع يعطي المخططين وصناع القرار فرصة تاريخية في اختيار الطريق الأفضل لتحقيق تنمية بشرية تحفظ للمجتمع العراقي أنساقه الثقافية الأصيلة وتبعده عن إشكال التقليد الذي طالما وقعت فيه برامج التنمية في مجتمعات نامية وعربية كثيرة مما شكل فيما بعد حالة نكوص شديدة تركت اثأر سلبية على بنية المجتمع الذي وقعت فيه، وان تحقيق فرص حقيقية مرهونة بتغير النسق الثقافي من نسق اتكالي واستهلاكي إلى نسق منتج ومبتكر يعطي لثقافة المجتمع صورته الأصلية المبتكرة، وهو ما تحتاجه عملية التنمية في العراق في المرحلة القادمة وما تتطلبه عملية بناء الدولة العراقية الحديثة المنتجة والقادرة على تحقيق فرص التسامح الاجتماعي وتحقيق فرص مؤاتية لعملية الاندماج الاجتماعي في ظل تغيرات سياسية وثقافية باتت تجتاح المحيط الإقليمي للعراق، وعليه فان أي خطوة جادة لبناء تنمية حقيقية وتشكيل الدولة المدنية الحديثة لابد أن تبدأ بفهم تأثير الرواسب الثقافية وتوفر الإرادة السياسية  ، وهذا ما يمثل إشكالية معقدة للحكومة العراقية في المرحلة الحالية، ما يجعل عملية التأجيل  في تنفيذ ذلك الغير مبررة وتؤثر بشكل كبير على مستقبل العراق وشعبه.