«سيلفي» مع التخلف

آراء 2019/05/13
...

حارث رسمي الهيتي 
 
أقف شخصياً امام جميع المواقف اليومية والمشاكل السياسية والاجتماعية ، وكل تلك الظواهر التي تؤثر بنا ونتأثر بها موقف الناقد ، المتفحص ، المقارن ، لا لشيء سوى اني اود الخروج من كل ذلك بموقف يعبر عن قراءة علمية دقيقة لا تبنى على الانحيازات المسبقة او المشاعر الشخصية أو هكذا أزعم . 
في مدرسة شيدت من الطين ، وفي حجرٍ صغيرة ومظلمة ، يفترش ابناؤنا فيها الأرض وقد تراصوا في جلوسهم على قطعٍ من جريد النخيل أو ( الحصران ) التي تبرع بها اولياء الأمور ويقف أمامهم مدرسهم الذي اتعب صدره ذلك الغبار المنبعث من قطع الطباشير القديمة تلك ليعطيهم موادهم الدراسية ، أحد هؤلاء الطلاب يشرد ذهنه الى “ بسطيّته “ محاولاً أن يدبر نقوداً تكفي لسد بعض النقوصات فيها فهي باب رزقه الوحيد ليعيل عائلته ، وأخر يفكر بطريق العودة الى بيته ، محاولاً أن يجد طريقاً للعودة غير تلك التي أتى منها صباحاً فبفضلها قد تحولت ملابسه الى قطعة متحركة من “ الوحل “ جراء غرق الشارع الذي يفتقر الى التبليط من عقودٍ مضت .   
في ذلك الجنوب ، الذي سقطت عليه مئات القذائف وتكدست فيه مخلفات الجيوش المتقاتلة وأصبح بفضل الحروب الرعناء التي دشنها النظام المقبور يعاني الكثير من الامراض الغريبة والخطيرة في آن ناهيك عن التشوهات الخلقية وأمراض السرطان ، يقف ابناؤه وبطوابير مملة وقاتلة للحصول على أشعة ملونة أو ليكشف عليهم طبيب معين أو للحصول على علاج في المستشفيات الحكومية ليتجنب المواطن العراقي هناك الذهاب الى العيادات الخارجية والمستشفيات الاهلية خوفاً من حفلة “ تقصيب “ بالأسعار في ظل غياب شبه تام للحكومة ، ويستقر أخيراً ذلك المريض في أحد المستشفيات بعد أن يحصل و “ بالشافعات “ على سرير ليتفاجئ بدخول خنزير بري في أحد ممرات تلك المستشفى قبل أن يتمكن شرطي ما من قتله . 
في الجنوب الذي تحدثت عنه السيدة الأمين ، تتلفع نساؤه بالسواد منذ خلق الله الجنوب والى اليوم ، وهن يلفلفن ابناءهن بالكفن الأبيض ، أو يدفنونهم بملابسهم العسكرية بعد ان تسلموا الجثامين محفوظة في صندوق خشبي بعد أن انفجر عليهم لغم أرضي من مخلفات حربنا ذات الثماني سنوات ، ومرةً وهن يجمعن عظام ابنائهن من مقابر جماعية تركها نظام صدام المجرم في مشاهد لطم جماعية نقلتها لنا شاشات التلفزيون منذ 2003 ولغاية اليوم ، وبقيت نساؤنا هناك يعانين القهر والكمد بعد أن وجدن انفسهن يسكنن بيوت الطين منذ الأزل والى أبد الآبدين . 
التخلف يا سادة هو أن ترى كهلاً يقضي جحيم صيفنا هذا وهو يتحمل قطعاً مبرمجاً للكهرباء قد يطول لساعات ، أو أن ترى حقولاً كانت خضراء ويسد ما تنتجه بطون الجائعين وقد تحولت الى اراضٍ جرداء بعد أن تركت الحكومات المتعاقبة الفلاحين دونما دعم يذكر خاصة بعد ان فتحت حدودنا للمستوردين الجشعين وتركت الفلاحين تحت رحمة ( السماء والطارق ) . 
لا تزعلوا من الأمين ، بل طالبوا زميلاتها وزملاءها في البرلمان أن يكونوا أكثر صدقاً معكم ، ويتكلموا الحقيقة التي نعانيها ، طالبوهم بوضع حدٍ لمهزلة كبرى يراد لها أن لا تنتهي لحسابات معينة . 
يقول الراحل الدكتور علي الوردي أن دخول الانكليز الى القرنة في البصرة أصابهم بالذهول ، فهم كانوا قد قرأوا في كتب الأساطير ان هذه المنطقة هي موضع الجنة ، حيث عاش آدم وزوجته ، قبل أن يعاقبهما الله وينفيهما الى الأرض ، الا انهم وجدوها مدينة تعاني من القذارة ، ومعظم بيوتها من الطين ، وجميع طرقها ضيقة وملتوية وغير معبدة ، ويكثر فيها الذباب والبعوض والبراغيث ، حتى ان أحد جنودهم علق قائلاً : 
اذا كانت ارض آدم وزوجته حواء هي هذه ، فلا لوم عليهما حين عصيا ربهما واخرجا من الجنة ، واذا كانت هذه الجنة فكيف تكون جهنم يا ترى ؟