صديقي الكاتب.. يلتقي مع جان

منصة 2023/11/16
...

عزيزي دكتور قاسم

أعرف أنَّ الإيمان بالجن وتحضيرهم ورؤيتهم عَرَضٌ من أعراض الفصام. لكنْ أستغرب أولاً لليقين الذي عند من يراهم وللآثار التي تظهرُ أحياناً، كتحريك الأشياء وسماع همهمات وأصوات مبهمة. 

لي صديقٌ، وهو متزنٌ جداً وراكزُ الشخصيَّة ظاهراً، لكنَّه موقنٌ بأنَّه يلتقي بين فترة وأخرى مع جنّي ويسميه باسمه ويسأله عن أشياءٍ ويجيبه. لا أدري إنْ كان الأمر مضحكاً أم لا. 

هما هذه الأيام، أعني صديقي وصاحبه الجنيّ «اليهودي» في حوارٍ مستمرٍ عن أزمة فلسطين. وينقل لي بعض حوارهما.

ما تشخيصك لحالة صديقي أولاً؟ وهل يمكن أنْ يكون الفصام مثيراً لبعض القوى الباراسايكولوجيَّة؟

الأديب: س . م . ك

عزيزي الأديب المحترم 

الفكرة المأخوذة عن الفصام (الشيزوفرينيا) أنَّها نوعٌ واحدٌ، بينما هي على أنواع، أبسطها الفصام العادي (يستطيع العيش بين الناس)، وأعقدها من يرتكب جريمة قتلٍ حتى بأعز ناسه (أحدهم يحمل بكالوريوس إدارة واقتصاد من لندن) قتل أمه لأنَّه يشكُّ فيها أنَّها تريد أنْ تضعَ السمَّ في طعامه، وأودع ردهة القتلة أمثاله في مستشفى الشماعيَّة.

ولجنابك وقرّاء الصباح نوضح.. أنَّ أبرز عرضين في المصاب بالفصام هما: الهلاوس، تأتيه بصور عقليَّة قويَّة يراها كما لو كانت حقيقيَّة، ويسمع أصواتاً لا يسمعها الجالسون معه. والثاني: الأوهام، وتعني وجود معتقدات أو أفكارٍ لدى الفرد لا يوافقه عليها الناس، وأصعب حالاتها، ليست تلك التي تخصُّ اقتناع الفصامي بمعتقداته الخاطئة، بل سعيه جاهداً لإقناع الآخرين وحملهم على التصديق بمعتقداته التي هي عنده يقينٌ مطلق.

ومع أنَّ التشخيص الدقيق لحالة صديقك يتطلبُ فحصه من قبل طبيب نفسي، ولكنْ ما ذكرته يوحي بأنَّه يعاني حالة اغترابٍ حادٍ ناجمة عن كرهه واشمئزازه لواقعٍ يراه لا يليقُ بالبشر، وعجزه عن تغيير هذا الواقع الى حالة مثاليَّة أو عالم خيالي يخلقه روائيٌ رومانسي. ولأنَّه عاجز عن خلق ذلك، ولأنَّه يائس بالمطلق من الناس في تغيير واقعهم (القبيح)، فإنَّه استعان بمن يستطيع تحقيق من يأتي بالملكة بلقيس برمشة عين، وأنَّ تكرار لقاءاته وحواراته مع (الجني اليهودي!) هو إقناعه بأنَّه قادرٌ على أنْ يقلبَ عاليها واطيها.

ومع وجود تشابهٍ بين عرضي الأوهام والهلاوس في الفصام والباراسايكولوجي في التجلي والقدرات الخارقة، فإنَّ الأعراض التي عند صديقك لا علاقة لها بالقوى الباراسايكولوجيَّة من قبيل الجلاء البصري ومعرفة الحدث قبل حدوثه.

ومع ذلك لا تقلق الآن على صديقك فهناك كتاّب وفنانون أصيبوا بالفصام وتزوجوا وأنجبوا. وإذا كان عمره قد تعدى الثلاثينيات فإنَّه في أمانٍ لأنَّه يندر أنْ يصابَ بالفصام من تعداها. ولكنْ إنْ استمرَّ في عالم الهلاوس والأوهام، عندها ابتكر أيَّة طريقة أو حيلة لتوصله الى طبيب نفسي متخصصٍ بالفصام، ونحن حاضرون للتعاون معك في مساعدته.

ويبقى ثمة استفسار:

* هل يمكن تدوين عددٍ من حواراته مع صديقه (الجني)، بعد موافقته والوعد بالحفاظ على خصوصياته، لغرض التحليل السايكولوجي؟ وهل يستثمر ذلك في قصصٍ أو رواية يكتبها؟ لتوثق كحالة سايكولوجيَّة في الأدب العراقي المعاصر.

بالمناسبة، الروائي الدوس هكسلي كان يتعاطي حبوب ( ال اس دي) المهلوسة لِتُحدثَ لديه أوهاماً وهلاوس حين يريد أنْ يكتب رواية من عالم الخيال.