بيني ديل
ترجمة: كريمة عبد النبي
كان تشي لافليس في طريقه إلى الساحل الكاريبي في جزيرة ترينيداد، كي يجمع كمية من مادة الطين لاستخدامها في أحد الكرنفالات الاحتفالية، حينما تلقى رسالة من إحدى الكنائس في المملكة المتحدة، تطلب منه إنجاز عمل فني لإحياء ذكرى إحدى الشخصيات الأفريقية، التي لم يسمع عنها من قبل، ويدعى غوبنا كوغوانو.
يعد غوبنا كوغوانو أحد الشخصيات الغينية البارزة خلال القرن الثامن عشر في بريطانيا نظرا، لكونه من دعاة إلغاء تجارة الرقيق وإنهاء العبودية. وعلى الرغم من دوره البارز في هذا المجال إلا أن تاريخه لم يكن معروفا.
ولد كوغوانو في منطقة الساحل الذهبي والمعروف حاليا بدولة غانا. كان كوغوانو، إضافة إلى عشرين آخرين، عبدا مملوكا وهو لم يتجاوز عمر الثالثة عشرة. كانت هذه المجموعة من الصبية تلهو في إحدى الساحات، حيث انتهى بهم المطاف للعمل كعبيد لصالح مزارع السكر في جزيرة ترينيداد الواقعة من ضمن جزر الكاريبي.
خلال رحلته على متن السفينة، التي أقلته عبر المحيط الأطلسي، كتب كوغوانو قائلا: "لم نكن نسمع سوى قعقعة السلاسل، وضربات السياط وأنين وصرخات الذين تم نقلهم معي على ظهر السفينة".
وبعد عامين من عملية الأسر والعمل في مزارع السكر، لم يكن لكوغوانو أي أمل بالخلاص. وأمضى فترة من حياة البؤس والقسوة والشقاء، قبل أن يتم نقله إلى بريطانيا ويتمكن من الحصول على حريته في العام 1772.
جاء وصف حالة العبودية التي عاشها كوغوانو في أحد مؤلفاته، وهو عبارة عن كتاب ناقش فيه تجارة العبيد، من خلال التجربة التي مر بها في حياته. إذ يعد كوغوانو واحدا من أبناء أفريقيا وأحد البريطانيين السود، الذين كتبوا عددا من الرسائل إلى محرري الصحف البريطانية وأعضاء البرلمان لتشكل هذه الرسائل حملة ضد تجارة الرقيق والعبودية.
وبحسب موقع التراث الانكليزي، فإن ليس معروفا كيف حصل كوغوانو على حريته، لكن كانت هناك إشارة مهمة إلى أنه خلال السنة التي وصل فيها كوغوانو إلى بريطانيا أصدر اللورد رئيس القضاء حكما يقضي بعدم قانونية إعادة الأشخاص المستعبدين سابقا، لكي يكونوا عبيدا مرة أخرى. في العشرين من آب من العام 1773، أي قبل مئتين وخمسين عاما، وعندما كان كوغوانو بعمر السادسة عشرة، تم تعميده في كنيسة سانت جيمس بيكاديلي، تحت اسم جون ستيوارت. غير إنه، وبعد ثلاث عشرة سنة، صدر له أول كتاب باسمه الأفريقي الأصلي.
وقد تم وضع العمل الفني الذي أنجزه لافليس تكريما لكوغوانو عند مدخل الكنيسة في العشرين من أيلول.
ويقول ريفيرند لوسي، المسؤول عن كنيسة سانت جيمس: إن هذا العمل هو أفضل عمل فني ملائم لهذا المكان.
ويعد الفنان لافليس واحدًا من الفنانين الذين يعتمدون الألوان الزيتية في لوحاتهم الغنية بالألوان والأشكال الجريئة، التي تعكس الشخصيات والمناظر الطبيعية في المكان الذي يعيش فيه في جزيرة ترينيداد.
وفي حديث لموقع الـ (بي.بي.سي)، يقول الرسام "أشعر بأنني محظوظ لأكون جزءا من تسليط الضوء على كوغوانو، وهذا ما جعلني أتساءل حول الأشخاص الآخرين وقصصهم".
يتكون العمل الفني من أربع لوحات بعنوان النهر، الممر، الروح ورؤية الطيور. وكل لوحة منها مقسمة بدورها إلى أربع لوحات أخرى، وهو ما إعتاد الرسام على القيام به في جميع أعماله الفنية.
وأضاف لافليس: عملت على هذه اللوحات معا كلوحة واحدة وأتحرك ذهابا وإيابا بين مختلف الصور والأفكار، في محاولة مني لأتخيلها هذه اللوحات مجتمعة كعمل واحد".
ويقول الرسام: "جاءت فكرة النهر في اليوم الذي استلمت فيه الطلب لإنجاز عمل فني حول كوغوانو، وكنت يومها عند النهر حيث كنت أعمل على جمع الطين للاحتفال بمهرجان ترينيداد".
وأضاف: "عندما انتهينا من جمع الطين ذهب عدد من الأشخاص، الذين كانوا بصحبتي إلى النهر لأجل الاستحمام فيه، وكان لهذا المنظر صدى في نفسي، بسبب قدرة وقوة الماء على التنظيف".
وعن اللوحة الثانية (الممر) فهي تعكس صورة إمرأة تحت الماء وهو أيضا إشارة إلى "الممر الأوسط" في المحيط الأطلسي، والذي سلكه ملايين من الرقيق الأفارقة، ومن ضمنهم كوغوانو عندما كان في سن الثالثة عشرة.
درس لافليس فن الرسم في فرنسا وأنشأ الاستوديو الخاص به في جزيرة ترينيداد، خلال منتصف التسعينيات، وله أسلوب فني خاص لا يتبع لأي مدرسة فنية. ويعد عمله الأخير الذي أنجزه لإحياء ذكرى كوغوانو محاولة لعكس الحياة المعقدة في منطقة الكاريبي، كما أنه ينقل صورة عن تجارة الرقيق عبر الأطلسي. واختتم حديثه بأنه ما زال يفكر في الصعوبات، التي عانى منها كوغوانو خلال رحلته.
عن موقع الـ (بي.بي.سي)