سينما القضيَّة الفلسطينيَّة

منصة 2023/11/21
...

 علي العقباني


حظيت فلسطين والصراع العربي الصهيوني في السينما السورية الخاصة والعامة بنصيب كبير من الاهتمام والإنتاج، وربما كانت النوايا الطيبة والشعور القومي والأماني وراء بساطة صناعة العديد من الأفلام ولا سيما في البدايات، ورغم بساطتها فإنها كانت تؤسس وتمنح انطلاقة لسينما جديدة تتناول القضايا الوطنية والقومية موازاة مع سينما تجارية تنشد الضحك والجمهور.

وهنا سنلاحظ أفلاما عديدة انتجت في ستينيات القرن الماضي، ففي عام «1969» قام القطاع الخاص في السينما السورية بتقديم فيلمين روائيين طويلين هما «ثلاث عمليات داخل فلسطين» من إخراج الفلسطيني محمد صالح كيالي و«عملية الساعة السادسة» من اخراج سيف الدين شوكت، وقد شارك في هذين الفيلمين عدد كبير من نجوم السينما والتلفزيون في ذلك الوقت.
 ومع أحداث المؤسسة العامة للسينما في سوريا والتي يمكن اعتبارها تاريخ إنشائها بداية حقيقية للسينما السورية، فإنه ومنذ أفلامها الأولى كانت القضيَّة الفلسطينيَّة حاضرة وبقوة في أفلام قصيرة وروائية طويلة. والبداية كانت مع فيلم "إكليل الشوك" للمخرج نبيل المالح في عام «1969»، وهو فيلم روائي قصير مدته"20" دقيقة يرصد فيه المالح أحد المخيمات الفلسطينيَّة، وهو «القابون» الذي كان قرب دمشق، وينطلق المالح في هذا الفيلم من حلم إنساني صغير وبسيط، يشتعل في وجدان فتاة فلسطينية، لكن الدبابات الإسرائيليَّة تسحق هذا الحلم.
الفيلم أسس لأعمال سينمائية أخرى كانت القضيَّة الفلسطينيَّة محورها الأساس، وهنا سنتابع  لنبيل المالح عمله في ثلاثية «رجال تحت الشمس» عام 1970، مع المخرجين محمد شاهين ومروان المؤذن، حيث كانت مشاركته عبر فيلمه الروائي القصير، الذي جاء بعنوان «المخاض» ويدور حول ولادة الثورة الفلسطينيَّة، وانبعاثها من قلب المعاناة.
وفي العام ذاته 1970، سنشهد فيلمين سوريين قصيرين، هما «الزيارة» لقيس الزبيدي، وهو فيلم تجريبي قصير مختلف، و«اليد» لقاسم حَوَل، وهما مخرجان عراقيان عملا في إطار السينما السورية والفلسطينيَّة.
وسيكون التحول إلى الأعمال الروائية الطويلة بين عامي 1971 و1972، حيث سيقوم  المخرج خالد حمادة، بتقديم فيلم "السكين" المأخوذ عن رواية «ما تبقى لكم» للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، ونلاحظ في هذا الفيلم التزام المخرج بمضمون وحرفية العمل الروائي، ولكنه لم يتمكن، كمخرج، من أن ينازع الرواية ذات الأهمية أو يوازيها.  وفي العام «1972» انتجت المؤسسة العامة للسينما في سوريا أحد أهم الافلام العربية، التي تناولت القضيَّة الفلسطينيَّة، وهو "المخدوعون" المأخوذ عن رواية الشهيد غسان كنفاني "رجال تحت الشمس". الفيلم كان من المخرج المصري توفيق صالح، وتم عرضه في الكثير من المهرجان ونال العديد من الجوائز، وما زالت الصرخة المدوية "لماذا لم يقرعوا جدران الخزان" يصل صداها الينا حتى اليوم.
وفي العام ذاته أخرجت كريستيان غازي  فيلم «مئة وجه ليوم واحد» وهو بسيط المعالجة يستند على قصة عاملين فلسطينيين ينتظمان في صفوف الثورة، ومن خلال قصتهما يدين الفيلم الطبقة البرجوازية وتعاملاتها وألاعيبها القذرة، ويعلي من شأن الطبقة العاملة الكادحة الباحثة عن الحرية ولقمة العيش الكريمة. ونال هذا الفيلم جائزة نقاد السينمائيين في مهرجان دمشق الدولي الاول لسينما الشباب عام 1972.
وبعيد حرب تشرين 1973 قدّمت المؤسسة العامة للسينما عام 1974، بالتعاون مع مؤسسة السينما اللبنانية، فيلماً على غاية من الأهمية والبراعة، هو «كفر قاسم» من اخراج اللبناني برهان علوية، ويتناول المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها الصهاينة ضد أهالي قرية كفر قاسم عام1956.
أما المخرج مروان حداد فقدم فيلمه «الاتجاه المعاكس» عام «1975» وفيه مناقشة جادة، ولأول مرة في السينما السورية، لانعكاسات هزيمة يونيو وأثرها على الشباب العربي عموماً والفلسطيني في سوريا تحديداً. وفي «الأبطال يولدون مرتين» للمخرج صلاح دهني عام 1977 نجد فيلماً يقدم الواقع الفلسطيني مباشرة، إذ تدور احداثه في مخيم فلسطيني، من المفترض أنه موجود في قطاع غزة، بعد أن وقع تحت الاحتلال الصهيوني.
يستند الفيلم على قصة «سرّ البري» لعلي الزين العابدين الحسيني، ومحورها الجوهري فتى فلسطيني على بوابة نضوج الوعي يرتبط بعلاقة متميزة مع جدّه. كما ويتصل فيلم «حادثة النصف متر» للمخرج سمير ذكرى كذلك بالشأن الفلسطيني من خلال الخلفية التاريخية التي تدور في ظلالها حياة بطل الفيلم الدمشقي صبحي الحلونجي.