لبنى عبد العزيز.. أيقونة زمن الفن الجميل
غفران حداد
عندما نكتب عن وجوه العصر الذهبي للسينما المصريَّة والعربيَّة لا يمكننا أن ننسى الفنانة لبنى عبد العزيز، السمراء بعيون خضراء، إحدى فاتنات الفن السابع، تملك الجمال والصوت المميز الرقيق، الكاريزما والتواضع.
بدأت شهرتها منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي، اطلق عليها النقاد والجمهور ألقابا عدة، مثل "هاميس السينما المصريَّة"، "صاحبة أجمل عيون" و"جوليت جاردن سيتي".
تخرجت لبنى من الجامعة الأمريكية في القاهرة، وحصلت على منحة للدراسة في جامعة كاليفورنيا بأميركا لتعمل من هناك مراسلة لجريدة الإهرام، عبر مجموعة تحقيقات عن استوديوهات هوليوود والسينما الأميركية، كان والدها الصحافي حامد عبد العزيز، السبب في دخولها عالم الصحافة، لتبدأ بعدها مسيرتها الفنية.
الوسادة الخاليَّة
كان أول عمل لها من خلال المسلسل الإذاعي (الوسادة لا تزال خالية) وبثَّ من اذاعة صوت العرب تأليف وإخراج (أحمد فتح الله) لتبدأ بعدها مسيرتها السينمائية في فيلم (الوسادةالخالية،1957) إخراج صلاح أبو سيف، قصة الأديب احسان عبد القدوس، وسيناريو وحوار( السيد بدير) كان "صلاح" (عبد الحليم حافظ) طالبا في كلية التجارة يتعرف بالطالبة "سميحة" (لبنى عبد العزيز) تجمعهما قصة حب، لكن إرادة
اهلها تجبرها على الزواج من الدكتور "فؤاد" (عمر الحريري)، لتصبح قصة حب (صلاح وسميحة) واحدة من اجمل كلاسيكيات السينما الرومانسية.
أنا حرّة
على الرغم من أن الفنانة عبد العزيز قدمت أفلاما كانت علامة فارقة بمشوارها السينمائي، مثل (هدى، 1959) وفيلمي (بهية واسلاماه، 1960)، و (غرام الأسياد ولا تذكريني، 1961)، لكن دورها في فيلم (أنا حرة، 1959) كان ولا يزال في ذاكرة محبيها قدمت البطولة في العمل بشخصية (أمينة) عن قصة للكاتب إحسان عبد القدوس، وهي فتاة متمردة على تربيتها وتقاليد وعادات المجتمع التي تفرض على المرأة قيوداً ترى فيها أنها غير ملزمة بتنفيذها، مخرج الفيلم صلاح أبو سيف قدَّم (أمينة) نموذجاً للمرأة التي تعيش في مجتمع لا يعطيها حريتها، وأن امانيها في الحرية بسيطة، مثل حقها لإكمال دراستها وحقها في اختيار شريك حياتها الذي تراه هي مناسبا لها لتلتقي (أمينة) في ما بعد بـ "عباس" (شكري سرحان) الذي كانت ترى فيه مثلها الأعلى في الحرية والانفتاح، ولكن "عباس" يعمل في السياسة وكان مطلوباً للنظام فتعمل "أمينة" معه أملاً في الحصول على حرية أكبر، فيتم القبض عليهما بسبب نشاطهما السياسي، لتكتشف "أمينة" أن الحرية ليس ما كانت تبحث عنه طوال تلك الأعوام، بل هي شيء أكبر وأعظم.
هذا هو الحب
من أعمالها المميَّزة ايضاً فيلم (هذا هو الحب، 1958)، وهو رومانسي اجتماعي عرض بالأبيض والأسود، اخراج صلاح ابو سيف، وكان بطل الفيلم "حسين" (يحيى شاهين) الشاب الذي يعمل مهندسا في البلدية، رجل محافظ متزمت إلى أبعد الحدود، يعجب بابنة جيرانه "شريفة" (لبنى عبد العزيز) وجد فيها فتاة محافظة، ولا يوجد رجل بحياتها قبل أن يخطبها، فتخطبها له والدته التي أدت الشخصية الفنانة (ماري منيب)، ويتم الزواج بسرعة ويسافر العروسان الى مدينة "الفيوم" لقضاء شهر العسل، لكنه صُدم عندما شاهدها ترد تحية صديق أخيها المهندس "فؤاد عزمي" (محمود عزمي)، وعلم منها أنه كان يراجع دروسه مع اخيها وأنه قابلها عدة مرات أمام باب الشقة وحدها واسمعها بعض كلمات الغزل، فلم يتحمل "حسين" الأمر وحزم حقائبه وعاد الى القاهرة وتركها وأرسلها لها ورقة الطلاق بعد 10 أيام من زواجهما، مما اساء لسمعة "شريفة" أمام الجيران، ساءت الحالة النفسيَّة لـ "حسين" وندم على تفريطه في زوجته بسبب شكوكه، وارسل لها خطاب تهنئة يوم زواجها، واخبرها أنه ما زال يحبها لكن نهاية الفيلم جميلة حيث تترك "شريفة" حفل العرس وهربت إلى منزل "حسين" ليلحق بها والداها، ووافقا على عودة الحبيبين لبعضهما البعض.
قصة الفيلم كانت بسيطة لكنها رومانسية وتحمل رسالة وجدانية إلى الزوج بأنه لا يحق له محاسبة زوجته على ماضيها حتى لو عرفت رجلاً قبله، مادامت هي مخلصة ووفية له بعد الزواج، الفيلم لا زال يعرض عبر القنوات العربية ويحظى باهتمام جميل من عشاق الفنانين لبنى عبد العزيز ويحيى شاهين.
عروس النيل
ومن باقة الأعمال الرائعة في مسيرة عبد العزيز السينمائية أيضا فيلم (عروس النيل، 1963) اخراج "فطين عبد الوهاب" كانت قصة الفيلم تدور حول "سامي" (رشدي اباظة) الجيولوجي، الذي يذهب الى الأقصر لمتابعة التنقيب عن البترول، ويرى فتاة باذخة الجمال في زي" عروس النيل" تدعى" هاميس" (لبنى عبد العزيز)، التي تطالبه بوقف الحفر وتخبره أنها ابنة اتون إله الشمس وآخر عروس النيل وان والدها ارسلها الى الأرض لتمنع انتهاك حرمات عرائس النيل، الفيلم يحمل الخيال والدراما والرومانسيَّة وفكرة الفيلم كانت تعود لبطلة الفيلم ولم يكن فيلم (عروس النيل) الوحيد الذي جمعها مع" رشدي اباظة"، بل قدما معاً بطولة عدة أفلام مثل (واإسلاماه، بهية، العيب) وغيرها.
تجربة الإعتزال والعودة
في بداية عقد السبعينات سافرت الفنانة لبنى عبد العزيز مع زوجها الطبيب (إسماعيل براده) الى الولايات المتحدة، وعاشت في غرفة ضيقة في سكن الطلبة تركها لها شقيق زوجها قررت الوقوف الى جانب زوجها لكي يحصل على درجته العلمية بعد تخرجه من كلية الطب ونسيت في الغربة انها الفتاة المدللة لأسرة ارستقراطية وكانت نجمة سينمائية، بل اعتمدت على نفسها في كل شيء لإدارة بيتها وتركت مجال التمثيل لأجل بناء اسرتها، لتعود بعد غياب دام (30) عاماً من غربتها لتتفاجأ بمحبيها الذين لم ينسوها، لتشارك في عام 2007، بالمسلسل التلفزيوني (عمارة يعقوبيان) وادت شخصية (دولت الدسوقي) التي تكون بصراع دائم مع شقيقها "زكي" (عزة ابو عوف) على أحقية ملكية الشقة التي يقيم فيها زكي الدسوقي وآخر افلامها (جدو حبيبي، 2012) مع الفنان الراحل "محمود ياسين "اخراج" علي إدريس" وقد اكدت عبد العزيز بأحد لقاءاتها أن السبب في موافقتها للعودة الى السينما من خلال فيلم (جدو وحبيبي) هو أنها وجدت المخرج يحفظ جميع أفلامها السينمائية، ولأن الفيلم يناقش قضية اصطدام جيلين معا هما الجد والحفيد.
ركن الأطفال
ما زالت لبنى عبد العزيز تقدم برنامج (ركن الأطفال)، الذي يبث من الإذاعة المصريَّة وعمر البرنامج يزيد عن الستين عاماً، واكدت عبد العزيز في أحد حواراتها الصحافية "أنها تعشق العمل الإذاعي وإن الإذاعة ما زالت محتفظة برونقها وقيمتها حتى الآن ولكن الجمهور لا يلتفت اليها".
يوميات عبد العزيز
على الرغم من تقدمها بالسن وقد تجاوزت سن (88) عاماً، لكن عبد العزيز مازالت تطمئن جمهورها أنها بصحة جيدة، وتتواصل مع ابنتيها (مريم وسارة) في الولايات المتحدة وتمرح كطفلة مع حفيداتها الثلاث، وتؤكد لجمهورها انها لا تخشى الموت فهو قربَ من الله، وكان آخر ظهور للفنانة لبنى في الإعلام المرئي في شهر آب الماضي، خلال تكريمها في حفل افتتاح مهرجان القاهرة للدراما بدورته الثانية المقامة في مدينة العلمين الجديدة، التي تزامنت مع الاحتفال بمرور 60 عاماً على أول
مسلسل تلفزيوني مصري وسلمها الجائزة رئيس المهرجان الفنان يحيى الفخراني وسط حفاوة كبيرة منه ومن الحضور.