الحسد.. حرمها من الزواج

منصة 2023/11/23
...

عزيزي دكتور قاسم
(إنْ كنتَ لا تؤمن بالحسد فعسى أنْ تغيرَ رأيك بعد أنْ تعرفَ قصتي. لستُ جميلة جداً، لكنَّني أجمل من فتيات كثيرات بعمري تزوجن وارتحن.
ولست أقلَّ منهنَّ حسَباً ونسَباً. وقد تقدم لي أكثر من خطيبٍ لكنني كنت هدفاً لحسد الكثيرات، فاحترت واحتار أهلي في أنْ نجدَ سبيلاً لفهم مشكلتي، وأقنعتني أمي بضرورة اللجوء الى عرّافة).
وذهبت الفتاة للعرّافة فأخبرتها بأنَّ هنالك (عملاً) قام به حاسدٌ أو حاسدة وستقوم بإبطاله. ولم ينفع ما قامت به، فأشاروا عليها بالذهاب الى (عرّاف أقوى وأقدر)، وظلت المسكينة (تفتر).
وليست أمها وحدها التي تؤمن بالسحر، بل الغالبيَّة المطلقة من أمهاتنا العراقيات يؤمنَّ به. أذكر أنني عندما كنت طفلاً وضعت أمي في رقبتي قلادة تتدلى بوسطها (خرزة) زرقاء بسبعة ثقوب. وحين صرت شاباً استبدلت تلك القلادة بخاتمٍ في اصبعي بفصٍ أزرق أيضاً، علمت بعد حين أنَّ (أم سبع عيون) و(المحبس الأزرق) يطردان خطر العيون - الزرقاء بشكل خاص-، ويقياني من الحسود، لأنني كنت (آخر العنقود).
ومؤكدٌ أنَّ الوالدة العزيزة فعلت معك الشيء نفسه أو أكثر يوم كنت طفلاً أو طفلة. وربما الآن شايل باصبعك خاتم أزرق، مؤمن أنَّه يقيك من الحسد.
 نحن جميعاً نعرف أنَّ الحسد يعني تمنّي أنْ تتحولَ للحاسد نعمة أو فضيلة المحسود أو زوالهما. ولكنْ ما لا يعلمه كثيرون هو الآليَّة النفسيَّة التي يعملُ بها الحسد لدى الحاسد والمحسود، نوجزها لكم بالآتي:
يجد المحسود في الحسد تفسيراً لنكبة فجائيَّة حلّت به أو ضرراً أصابه في ممتلكاته، أو زوال ما كان يحظى به من جاهٍ أو امتياز.
والتفسير بالحسد يرضي المحسود ويرتاح له بينه وبين نفسه لأنَّه يشعره بامتيازه عن الآخرين (في مالٍ أو جاهٍ أو ولدٍ أو مركزٍ وظيفي) ويقومُ في الوقت نفسه بإسقاط المهانة الذاتيَّة والنوايا العدوانيَّة على الحاسد، بينما يقوم الإنسان المحروم (الحاسد) بإسقاط رغبته الذاتيَّة الدفينة في سلب الآخر ما يتمتع به من حظ، وتمنيه لامتلاك دور المحظوظ، نابعة من عقدة النقص والخواء الداخلي ومشاعر الحرمان.
ومع أنَّ الحسد له صفة طبقيَّة، فالحاسدون هم طبقة المحرومين والمحسودون هم طبقة الأغنياء، إلا أنَّه يمارس أيضاً بين أفراد الطبقة الواحدة.
فالمدير العام يحسد الوزير، والسائق الذي اشترى سيارة كوستر آخر موديل يكتب عليها من الخارج “الحسود لا يسود” ويرسمُ بداخلها عيناً مفقوءة بسهم، يقصد بها عيون الركاب من المحرومين.
ولأنَّ العين هي أداة الحسد التي يرى فيها المحسود أنَّ نظرة “ليزرية” منها تجلب له مصيبة وقد تحرق حظه، فإنَّه يتقيها بأنْ يعلّق حذاءً على باب داره، أو يضع محبساً بشذرة زرقاء في اصبعه.
 والآن، هل نغير رأينا كما طلبت ونتفق معها أنَّ الحسد هو الذي حرمها من الزواح، أم على فتاتنا الطيبة أنْ تفكر في سببٍ آخر غير الحسد؟