بعد أن ضاقت الدنيا به بما رحبت، لم يكن امام صديقي، إلّا أن يقترض من أحد البنوك المجازة من قبل الدولة مبلغ عشرة ملايين دينار، ليجري لولده عملية جراحية مستعجلة، بيد أنّه فوجئ بأن الفائدة تبلغ 45% من قيمة القرض، ولم يأخذ منه الأمر سوى لحظات من التفكير حتى اختار حياة ولده مقابل ثقل التسديد الذي سيرهق كاهله لسنوات متمادية.
هذا ليس حال صديقي فقط وإنما حال أغلب المواطنين الموظفين منهم وغير الموظفين، الذين تضطرهم الحاجة الى طرق باب البنوك للاقتراض منها، فتستقبلهم هذه الأخيرة مستغلة حاجتهم وضعفهم، مثل مومس تعلم ان من قصدها يشتهيها فتعزف على وتر حاجته وتضع الشروط التي تضمن كسره وجعله تحت رحمتها عبر أخذ كل ما سيجمعه مستقبلا، نظير قضاء حاجته المستعجلة.
المشكلة ان صديقي المذكور شعر بالصدمة حين توجه للبنوك (الاسلامية) هربا من جشع الاهلية، فوجدها تتعامل بالأسلوب نفسه مع تغيير بعض العناوين لتحريف الفائدة الى رسوم كبيرة، ولكن بالمقابل فإنّ مبلغ الاستقطاع نفسه او بفارق بسيط جدا يكاد لا يذكر، فتساءل عندها كيف تسمّى (بنوك اسلامية) وهذا نبي الاسلام (ص) يقول: رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة، الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت لجبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده شيء، والمستقرض لا يستقرض إلّا من حاجة).
بل ان السؤال الأغرب الذي قضَّ مضجعي ومضجع صديقي، هو كيف تسمح الدولة باستغلال المواطن بهذا الشكل الجشع، مع ان دستورنا يقول ان القرآن مصدر رئيس في تشريع القوانين؟، وهذا ما لا يتناسب قطعا مع الغاية التي جعل فيها القرض تنفيسا لحاجة المقتر والفقير.
أوليس الأحرى بها ان توفر قروضا برسوم معقولة، كي يتمكّن صديقي من انقاذ ولده ولا يبقى راتبه مرتهنا لبنك ما لسنوات طويلة، ويستطيع آخر ان يسهم بحل مشكلة السكن عبر الاقتراض منها ايضا لترميم داره المهترئة او لبناء مشتمل صغير ينقذه هو وعائلته من ذل الايجار الموجع، وثالث يهتدي السبيل الى الزواج، وهكذا تحل الكثير من المشاكل المتعلقة بالمال، بدلا من تركهم فريسة سهلة لأصحاب البنوك الذين يشبهون (شايلوك) في مسرحية شكسبير المشهورة (تاجر البندقية).
كلي أمل بأن تلتفت الجهات المعنية الى هذا الشأن، وتنقذ المواطن من محنته وتخليصه من مغبة وقوعه فريسة لاغلب البنوك، وحائرا ما بين حاجته الملحّة للمال وبين ان يرهن نفسه وكل ارباحه لسنوات طويلة لهذه المؤسسات المالية التي تعمل تحت انظار الدولة التي من واجبها توفير كل ما يحتاج اليه، ومن ضمنها القروض الميسرة، طبعا مع تثميننا لما تقدمه عبر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والمصرف العقاري ومصرف الاسكان من قروض بفوائد معقولة، بيد أنّها غير كافية.