د. غانم فاضل
انتخابات البرلمان الأوروبي في نهاية أيار الحالي للتنافس على 751 مقعدا، من ضمنها 46 مقعدا لبريطانيا، ستكون مصيرية للقارة العجوز في ظل التحديات الراهنة، التي تواجه أوروبا ولاسيما بعد الصعود المتزايد للأحزاب اليمينية.
فمنذ إقرار قانون انتخاب نواب للبرلمان الأوروبي بنحو مباشر في عام 1979، والذي يعتبر المؤسسة الديمقراطية الوحيدة المتعددة الجنسيات في العالم.
شهد هذا البرلمان موجات متعددة من التحولات الجوهرية، اذ كان سابقاً بمثابة “لجنة استماع” لرؤى ومطالب حكومات الدول الأعضاء، ومن ثمة تطور دوره شيئا فشيئا مع كل تعديل طرأ على وثيقة الانضمام الى المنظومة الاوروبية الموحدة، ما اتاح للمرة الاولى دخول معارضين للمشروع الاتحاد الاوروبي الى المجلس في ستراسبورغ، وليصبح لهم تمثيل داخله. ولعل أبرز هـــــــؤلاء المناهضين السيد جان ماري لوبان زعيم الجبهة الوطنية
الفرنسية.
منذ كان مشروع السلام الاوروبي يشق طريقه داخل المجلس بالطرق الدبلوماسية رويدا رويدا، بات الصخب والصراخ السمة البارزة له، وتحديدا منذ عام 1984، فقد تكونت إثر ذلك احزاب تطورت الى كتل، لعل أبرزها حزب الخضر، الذي تأسس عام 1989 على اساس حركـة “قوس قزح” المدافعة عن حقوق وميول المثليين الجنسية او حزب توريس البريطاني المنشق عن كتلة الشعب (ائتلاف احزاب مسيحية أوروبية ديمقراطية) في البرلمان الاوروبي وذلك في سنة
2009.
وعلى مدى 40 عاما شكلت كتلتان غالبية اعضاء المجلس الاوروبي، وهما كتلة أحزاب الشعب الديمقراطية EVP وكتلة الاشتراكيون - الديمقراطيون S&D واللتين اخذتا على عاتقهما إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بإدارة توافقية مشتركة، اذ شكلتا معاً غالبية الاعضاء داخل
المجلس.
جدير بالذكر ان في بعض الأوقات حصلت تحالفات مغايرة داعمة لعمل المفوضية الاوروبية، كما هو الحال، تحالف كتلة حزب الشعب الديمقراطي EVP مع التحالف اللبرالي-الديمقراطي، فكان بوسع كلتا الكتلتين الكبيرتين التقليديتين الاعتماد على بعضهما البعض في الأوقات الحرجة، لاسيما عند تعلق الامر بتوسعة البيت الاوروبي ودفع عملية الاندماج نحو
الامام.
ففيما حصل رئيس المفوضية السيد جان كلود يونكر عام 2014 على دعم 401 عضو من مجموع 751 عضواً داخل المجلس، وهي غالبية كانت كافية لانتخابه بيسر وسهولة على الرغم من ان الكتلتين، كانتا قد فقدتا منذ مدة غالبيتهما المطلقة داخل المجلس، بسبب التشظي وانشقاق بعض الاحزاب عنهما وتشكيل اخرى جديدة من
خارجها.
يبدو ان مرحلة التحالفات القديمة قد ولت وسوف تنتهي عندما تدق الساعة بإعلان نتائج الانتخابات المقبلة في 23 - 26 آيار، فالتوقعات تشير الى ان عدد مقاعد الكتلتين الكبيرتين سيكون دون مستوى الغالبية البسيطــــــــــــــــــــــــــة 376 مقعدا، وان هذه الغالبية ضرورية لتجديد انتخاب رئيس جديد للمفوضية خلفا للحالي السيد يونكر. فكتلتا الشعب (219 مقعدا) والاشتراكي (189 مقعدا) مهددتان بفقد كل منهما 40 مقعدا في انتخابات الشهر الحالي.
وفيما يتوقع سقوط للديمقراطيين- المسيحيين في إيطاليا، كما ان الديمقراطيين- المسيحيين في فرنسا ليسوا في أحسن احاولهم، بعدما تمكن الرئيس ماكرون من خلط الاوراق في المشهد
السياسي.
اما الاحزاب الاشتراكية سواء في فرنسا او هولندا او حتى في إيطاليا، فكانت محظوظة نوعا ما، ولكن في المجمل، فهي في تراجع كبير بحيث لم يعودوا إلا ظلا لأنفسهم. والى جانب التآكل الحاصل لدى الأحزاب الكبيرة داخل البرلمان الأوروبي، هناك تطور كبير بدأت ملامحه تبدو بشكل واضح منذ عام 2014 يتمثل باستمرار التشرذم داخل الاحزاب الكبيرة على طول وعرض القارة الاوروبية، وميول بوصلة الناخب نحو أحزاب اليمين الشعبوي، الذي يضم شخصيات متنوعة، تتبنى بعضها خطابا شعبويا واخرى تنظر بعين الريبة لمشروع الاتحاد الاوربي وثالثة مناهضة له
بشدة.
اذ ان الأحزاب اليمينية، متمثلة بحزب الاحرار اليميني النمساوي ومجموعة ماري لوبان الفرنسية وليغا الايطالي بزعامة ماتيو سالفيني، لم تستبعد تشكيل تكتل يميني كبير بعد اعلان نتائج الانتخابات
المقبلة.
من الواضح ان الانتخابات المقبلة ستكون “مصيرية” وقد تسفر عن اكتساح قوي للأحزاب اليمينية المتنوعة في برلمان الاوروبي وسيكون لهذه الاحزاب تأثير مختلف تحت قبة البرلمان، والحق ان احزاباً وكتلأ يسارية وأحزاب الخضر وهي احزاب غير مهددة بخسارة اصواتها حتى الآن، لا تزال فاعلة على المسرح
الاوروبي.
في المحصلة سوف يتعذر حصر الامور باتجاه معين بسبب استمرار التشرذم داخل الكتل الكبيرة بنحو تصاعدي وأكثر من الذي حصل حتى الآن.