بين الحياد والانحياز .. أين تتجلى مصالح العراق ؟

آراء 2019/05/14
...

عبد الحليم الرهيمي
 
تتعدد الآراء والمواقف ، وتتواصل السجالات بين السياسيين وبعض الكتل السياسية والاعلاميين ، حول الموقف الذي ينبغي على الدولة العراقية ( بمؤسساتها وخاصة المؤسسة العسكرية والحكومة) اتخاذه ازاء تصاعد واحتدام التوتر والصراع بين ايران واميركا خاصة بعد اعلان الرئيس الاميركي ترامب عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي (5 + 1) في آيار من العام المنصرم ثم تلى ذلك اتخاذ المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد ايران ، الى ان وصل هذا التوتر والصراع الى احدى ذرواته بأطلاق كل من واشنطن وطهران التهديدات العسكرية بينهما المترافقة مع اتساع المناورات والحشود العسكرية لكل منهما .
واذا كان كل من واشنطن وايران يستبعد - حتى الان - اندلاع مواجهات عسكرية واسعة بينهما، فأن تداعيات العقوبات على ايران بتعبيراتها المختلفة والاستعدادات والتهديدات العسكرية المتبادلة واحتمالات الانزلاق نحو حرب جزئية او شامله، كأحتمالات قائمة، ستنعكس بآثارها حتماً على دول المنطقة وخاصة العراق، الذي تتحدث كثير من التقارير الدولية والمحلية على ان يكون احد ساحاتها الرئيسة، ذلك لما للطرفين من تواجد وتأثير واذرع فاعلة على ارضه الأمر الذي يعزز، الى حد كبير، من صحة تلك التقارير والاحتمالات، وهذا يعني ان مصالح العراق وشعبه ستتعرض لأكبر الاخطار والكوارث المدمرة . ومن هنا يطرع السؤال الكبير وهو: اي موقف ينبغي على العراق اتخاذه بما يدرء عنه تلك الاخطار والكوارث المحتملة ؟ 
لا شك ان تحديد اي موقف تتخذه الدولة بمؤسساتها ومنها المؤسسة العسكرية والحكومة ينبغي ان يراعي مصلحة العراق وشعبه ويدرء عنه تلك الاخطار والكوارث الناجمة عنها . وهنا يطرح السؤال المهم الآخر وهو : هل ان موقف  الانحياز لهذا الطرف او ذلك من الطرفين المتصارعين اميركا وايران هو الموقف الصحيح المطلوب اتخاذ أم موقف الحياد ؟ 
يكاد يجمع اكثرية العراقيين من سياسيين وكتل سياسية واعلاميين على القول علناً وصراحة باتخاذ موقف الحياد وعدم الانحياز لأي من الطرفين المتصارعين ، لكن في الواقع العملي ثمة من يرغب او يعبر عن انحيازه لأحد الطرفين وان تعارضت تلك الرغبات مع مصالح الشعب العراقي، وهو الامر الذي يجري عملياً لكنه يترافق مع حمله من التصريحات العلنية التي تؤكد الحياد وعدم 
الانحياز! 
لقد حدد وانتهج رئيس الحكومة السابق الدكتور حيدر العبادي مبدأ الحياد وعدم الانحياز لأي من الجهات المتصارعة اقليمياً ودولياً واطلق على هذه السياسة، سياسة النأي بالنفس عن تلك الصراعات، وقد اكدت الحكومة الحالية ورئاستا البرلمان والجمهورية القول على هذه السياسة بعدد غير قليل من التصريحات العلنية حول ذلك، الاّ ان الواقع العملي لا يشير الى الالتزام الواضح بهذه السياسة، سواء بعدم التوازن في نقد بعض سياسات الاطراف المتصارعة التي تخرق هذا الحياد، وكذلك في تصريحات ومواقف وممارسات بعض الكتل السياسة والمسلحة التي تخرق بدورها هذا 
الحياد. 
ان الدولة بمؤسساتها وخاصة العسكرية والحكومة معنية بتوضيح مستمر وبشفافية عالية لهذه السياسة وبمصارحة أصدقاء العراق المتصارعين بأن مصلحة العراق وشعبه تكمن وتتجلىّ بموقفه الحيادي وبرفض اي طرف منهما لجره الى معسكره والتأكيد للصديقين الايراني والاميركي وللشعب العراقي أن مصالح العراق تتقدم على مصالحهما ، فأا كان ثمة ضرر ومصاعب يلحق بالجارة ايران جراء العقوبات المفروضة فأن العراق قادر على مساعدتها وتحمل جزء من تلك المصاعب شريطة ان لا تستفز واشنطن وتعرض العراق نفسه للعقوبات . كذلك اذا كان العراق لا يريد او لا يسمح بالحاق الاذى بايران من الجانب الاميركي في العراق فعلى الحكومة العراقية ايضاً التوضيح لأيران بعدم الحاق الاذى والمواجهة ضد اميركا من داخل العراق سواء بشكل مباشر او عبر الجماعات المسلحة الحليفة لها .. وبهذه المواقف الصريحة والشفافة .. وغيرها ، يمكن فعلاً تحقيق الحياد والنأي بالنفس عن الصراع الايراني الاميركي المحتدم والحفاظ على مصالح العراق وشعبه والتي تكمن او تتجلى في موقف الحياد العملي وعدم الأنحياز لأي من الطرفين في هذا الصراع ، رغم المصاعب التي تحول دون تحقيق ذلك بالشكل المطلوب .