أي خلل في الحساب قد يشعل حرباً بين أميركا وإيران

آراء 2019/05/16
...

ترجمة – انيس الصفار     ديفد إغناشيوس                                          
 
وراء كل من الحشدين العسكريين الحاليين، الأميركي والإيراني، يكمن تصور بأن الطرف الآخر ربما كان يستعد للقيام بهجوم. هذا ليس تظاهراً يصطنعه أي من الجانبين، بل هو مواجهة يمكن ان تتحول الى تصادم فعلي إذا ما وقع أي خطأ في 
الحسابات.  
في الاسبوع الماضي ارسلت الولايات المتحدة حاملة طائرات ترافقها قوة المهام التابعة لها، الى جانب قاذفات القنابل وغير ذلك من القدرات العسكرية، الى المنطقة بعد ان خلص المسؤولون الى أن إيران قد عدلت عن ستراتيجتها، المتمثلة بركوب حملة الضغط التي تمارسها إدارة ترامب والصبر عليها حتى تستنزف زخمها، وباشرت بدلاً من ذلك بتحضيرات واستعدادات لتوجيه ضربة عسكرية محتملة الى القوات الاميركية في المنطقة.
في حديث القاه القائد الجديد للقيادة المركزية الاميركية، اللواء المارينز “فرانك مكنزي”، يوم الاربعاء الماضي قال أن الحشد العسكري كان “استجابة مباشرة لعدة مؤشرات وتحذيرات تصاعدية مثيرة للقلق”، على حد تعبيره. وكان المتحدث باسمه، النقيب البحري “بيل أوربان”، قد صرح قبل ذلك بيوم أن ثمة “مؤشرات واضحة تدل على أن الايرانيين والقوى التي تعمل معهم بالوكالة يجرون استعداداتهم لشن هجوم محتمل على القوات الاميركية في المنطقة.” على حد 
تعبيره.
هذا الاحساس بوجود تهديد إيراني وشيك يؤشر لحظة تحول عما كان المسؤولون الاميركيون قد استقرؤوه قبل اسبوعين من ذلك التاريخ. حينها كان المسؤولون يتوقعون من طهران أن تحاول ركوب موجة العقوبات التي يفرضها الرئيس ترامب والصبر عليها للاشهر العشرين المقبلة على أمل ان يأتي خلفه فيرفعها عنهم.
لكن في الاسبوع الماضي، وفي ضوء معلومات جديدة، خرجت الولايات المتحدة باستنتاج آخر يفيد بأن الايرانيين قرروا اعادة ضبط ستراتيجيتهم الان، وهم لهذا السبب ماضون في نقل معدات عسكرية استعداداً لإجراء ما. من غير الواضح بعد إن كان هذا التحول قد حدث لأن العقوبات أخذت تضغط على الإيرانيين بشدة لم يعد بوسعهم تحملها والصبر عليها حتى يأتي كانون الثاني 2021، أم لأنهم خلصوا الى نتيجة مفادها أن ترامب يمكن أن ينتخب مجدداً لدورة 
ثانية.
يبدو أن رسالة الولايات المتحدة، التي تضمنت الاستعداد لاستخدام القوة، قد وصلت الى إيران ومن يعمل معها بالوكالة، لأني تلقيت رسالة نصية صباح الخميس الماضي من شخص أميركي كثير التنقل بين سوريا والعراق. قال لي هذا الشخص انه يتصل بي نيابة عن قائد أبرز تنظيم شيعي في العراق تدعمه إيران. وفقاً لما ابلغني به هذا الوسيط فإن القوات التي تدعمها إيران قد اتخذت مواضعها استعداداً للرد على التصعيد الاميركي، ولكن ليس ثمة خطة للهجوم الان، ولن يكون هنالك رد إلا إذا بادرت الولايات المتحدة بالهجوم.”
النغمة التي استخدمها قائد التنظيم بدت تصالحية. فهو يقول، كما نقل الي الوسيط الذي طلب منه أن يكون متحدثاً بالنيابة عنه: “لا تزال هناك فسحة لخفض التصعيد إذا كان الطرف الثاني لا يرغب في حدوث مجابهة مباشرة.” 
نقل الوسيط الاميركي، الذي تمتد معرفتي به لنحو عقد من الزمن، الرسالة لي مشترطاً عدم ذكر اسم التنظيم أو قائده بشكل 
مباشر.
كان لدى المسؤولين الاميركيين شعور بقلق خاص ازاء وقوع هجوم محتمل من قبل اطراف ذات صلة بإيران على أكثر من 5000 جندي أميركي يتواجدون في العراق للقيام بمهمة تدريب قوات الجيش العراقي والمساهمة من خلال ذلك بتعزيز الامن في البلد. لذلك فإن الرسالة التي ارسلها قائد التنظيم تخاطب، بشكل غير مباشر على الاقل، واحداً من دواعي القلق الرئيسة عند الاميركيين.
يقال ان التنظيم المذكور قد شعر بقلق خاص بعد أن القت الطائرات المروحية الاميركية مشاعل حرارية بالقرب من معسكر سبايكر في العراق بالقرب من مدينة تكريت، حيث تتمركز بعض الجماعات الشيعية. تلك لمشاعل تسببت بنشوب حرائق في حقول الحبوب القريبة من القاعدة ويبدو أن التنظيم المذكور أحس بالقلق من ان يكون هذا تمهيداً لأعمال 
عسكرية.
الى أين تمضي سياسة “الضغط الاقصى” التي تنتهجها الولايات المتحدة؟ هذ هو السؤال الكبير الذي ينبثق من خضم التصعيد الذي شهدناه في الاسبوع الماضي. أما الايرانيون فمن الواضح انهم أخذوا يشعرون بوطأة الضغط عليهم وهم يبحثون عن وسائل للرد المقابل.
جانب من هذا الرد كان تصريح الرئيس حسن روحاني بأن إيران سوف تنسحب من بعض اجزاء الاتفاقية النووية المبرمة في 2015 كرد فعل من جانبها على إعلان ترامب بأنه ماض في التخلي عن الصفقة وإعادة فرض العقوبات. البنتاغون من جانبه يخشى أن تشمل إعادة الايرانيين ضبط موقفهم رداً عسكرياً ايضاً على أمل دفع الولايات المتحدة للعودة الى 
المفاوضات.
خير مثال على شعور إيران بالتشوش ازاء مواقف إدارة ترامب ما صرح به سفير إيران في الامم المتحدة مجيد تخت رفنجي مؤخراً في مقابلة مع محطة “أن بي سي”. فعندما سألته مقدمة البرنامج “أندريا ميتشل” إن كان روحاني مستعداً للجلوس والتفاوض مع ترامب للتوصل الى اتفاقية أوسع مدى، وهو ما يشير اليه ترامب احياناً باعتباره الهدف الذي ينشده، رد عليها رفنجي قائلاً: “فجأة وجدناه يقول هذا لا يروق لي، دعونا نجلس ونبدأ دورة جديدة من المفاوضات. ما الذي يضمن لنا أنه لن ينقلب مرة أخرى على اي محادثات مستقبلية بين إيران والولايات المتحدة؟”
الأمر الذي اخذ يسفر الان، بعد اسبوع مشحون بقعقعة السلاح والتلويح بالسيوف، هو أن إيران سوف ترتكب خطأ إذا ما اعتقدت أن أي استعراض للقوة من جانبها سوف يجعل الولايات المتحدة تتراجع. ففي حديثه يوم الاربعاء الماضي قال مكنزي بلا مواربة وبكل وضوح: “أي هجوم يقع على مصالح الولايات المتحدة سوف يجابه بقوة لا لين فيها.” وهذا القول لا يبدو من قبيل التهويل أو المخادعة.  
 
 
/عن صحيفة واشنطن بوست