مقارنة غير منطقية

الرياضة 2023/12/14
...

علي حنون



هناك بين المُتابعين لشؤون وشجون كرة القدم، والمُولعين بفنها وبإدارتها، من يعشق موضوع إجراء مُقارنة بين الدوريين العراقي والسعودي، ويذهب - ظلما - بفواصل المُقارنة بعيدا عن حدود منطق واقع الحال، ويقينا أن هذا الأمر لا يصح لأنه يُسوّق لصور مُشوشة وتتجلى فيه رؤية غير مُنصفة، طالما أن كفتي المُقارنة لا تُثقلهما نفس المقومات، والذي يذهب في هذا السبيل يجهل عديد الأمور لأنه يُغادر حدود المنطق ويقترب - ربما من دون دراية -  بفواصل مهمة، من الإطلالة على الأمر من باحة الأمنيات المُجردة بأن يرى واقعا مُغايرا.

ومثلما أنه لا يُمكن المقارنة بين المسابقة الإنكليزية (العتيدة) والمسابقة السعودية (لاعتبارات عديدة)، فإنه ليس من الإنصاف أن نضع الدوري السعودي بعمره وستراتيجيته في أطار واحد مع المسابقة العراقية الفتية، فالأول (دوري روشن) لم يظهر بهذه الصورة بين ليلة وضحاها، وإنما كانت هناك محطات تخطيط وعمل مر بها قطار الدوري، إلى جانب أنها مسابقة مدعومة من قبل الدولة، وكذلك الرعاة والإعلام، وتسندُها عمليات التوأمة والاتفاقيات مع الاتحادات المرموقة، وفرق عمل مُحترفة وتُوجهها دراسات مختلفة، وقبلها كانت هناك خلية سعي حثيثة لإنشاء بُنى تحتية ليس فقط في الملاعب ومرافق كرة القدم، التي لها علاقة بصورة مباشرة بالمسابقة، وإنما حتى بالمنظومات الأخرى الساندة.

فالغاية ليست كرة القدم فقط، وإنما إظهار واجهة ترويجية لسياسة جديدة للبلد وتأهيله من خلال الرياضة وتركيزا كرة القدم، لاحتضان فعاليات قارية وعالمية ذات مردود تسويقي، وبالتالي يتبلور موضوع الاقتصاد والسياحة وتغيير الواجهة التقليدية للدولة، وتحقيق الاستثمار في مجال الرياضة، والدليل الانفتاح العام الذي يلمسه العالم، والذي فتحت بوابته كرة القدم السعودية.. من هنا لابد من أن نقف على تفاصيل تُعنى بفلسفة إدارة الأمور، وتنظيمها وفق رؤى تأخذ بعين الاعتبار الكيفية التي ترسم لنا خارطة طريق، يُمكن أن تكون السبيل الأمثل الذي يصل بنا إلى جادة التوفيق، التي ستُمثل الميدان الذي يقود كرتنا لتصحيح المسار عبر سياسة شاملة مغايرة، فيها الملاذ الآمن، ويُمكن أن تكون طوق النجاة لمنظومة كرة القدم العراقية.

إذن، فالأمر، وإن كانت كرة القدم واجهته، فإن مضمونه وغايته الأكبر هي رؤية دولة وفلسفة حكومة، فهل من المنطق أن نقارن بين دوري جُل جهوده محصورة باتحاد مع دوري يعكس مشروع ورؤية دولة؟.  في المسابقة السعودية لا توجد أضواء مُسلطة وسياط تجلد سياسة اتحاد اللعبة ولا الجهات الأخرى، لأن الأمر يتعلق بقيادة شمولية تُخطط لأهداف ستراتيجية، بينما نحن لا يظهر في المشروع ومنه سوى اتحاد كرة القدم، الذي يُعاني ضغوطات كبيرة غالبها تتعلق برؤية ضيقة.. رسالتهم من المسابقة عالمية، ورسالتنا داخلية تتعلق بالكيفية، التي يُمكن من خلالها أن تنجح محطات الدوري، وكذلك هناك (بون شاسع) حتى في التناول الإعلامي؛ هم نجحوا في التسويق الإيجابي، ونحن منذ سنوات أغلب عناويننا تتعلق بمدرب المنتخب والأسماء المُستدعاة والاستفتاءات وحرب (المُحترفين والمحليين)، وكل الموضوعات التي تجلب المُشاهدات، حتى نجحنا في خلق قاعدة متابعة لا يحتويها سوى برامج من شاكلة (الاتجاه المعاكس!).