تُجرى بعد أيامٍ انتخاباتُ المجالس المحليَّة هي الثالثة في تاريخ العراق الديمقراطي، والتساؤل هنا: هل ستكون هناك مقاطعة كسابقاتها رغم أنَّ حكومة محمد شياع السوداني وعدت بتأمين متطلبات نجاحها؟
المحللون السياسيون يعزون المقاطعة الى فشل العمليَّة السياسيَّة، آخرها أنَّ وكالات أنباءٍ ذكرت أنَّ عدد الذين شاركوا في الانتخابات التشريعيَّة الأخيرة (2021) كان ثمانية ملايين من أصل (21) مليون ناخبٍ، وأفادت صحفٌ ووسائل إعلام بأنَّ نسبة المقاطعين للانتخابات فيها كانت بحدود (80 %).
الحالة السايكولوجيَّة للمواطن
وما يغفله المحللون السياسيون والإعلاميون أنَّ الحالة السايكولوجيَّة للمواطن هي التي تحدد دوره في المشاركة أو المقاطعة، وتحديداً مستوى الشعور باليأس لديه.
وما حصل في 2021 إنَّ الثلاثة عشر مليوناً الذين قاطعوا الانتخابات، أوصلهم شعورهم باليأس الى حالة العجز من إصلاح الحال ويقينهم بأنَّهم سواء شاركوا أم لم يشاركوا فالنتيجة واحدة.
والعامل السايكولوجي الثاني في عدوى اليأس من تغيير الحال لدى ملايين العراقيين هو ظهور ثقافات بولاءات جديدة ومتعددة. فبعد سنتين من السقوط شاعت وتعمقت (ثقافة الولاءات المتعددة) التي تفرّق بين ما يوحّد العراقيين لتصل الى أبشع حالاتها في احتراب (الهويات القاتلة) لسنتين كارثيتين (2006 - 2008)، نجم عنها أخطر عامل سايكولوجي هو تراجع ثقافة المواطنة التي توحد العراقيين بشعور الانتماء للوطن.
والعامل السايكولوجي الثالث تجسده مقولة الإمام علي (الفقر في الوطن غربة) سبق بها الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع بأكثر من ألف سنة.
ومقولته البليغة هذه تثير تساؤلين:
الأول:
عادي جداً أنْ يصاب الإنسان، لا سيما المثقف، بالاغتراب إذا كان النظام دكتاتورياً، وغريبٌ جداً أنْ يعيشه إذا كان النظام ديمقراطياً. لكنَّ هذا الغريب موجودٌ فعلاً في النظام الديمقراطي بالعراق من عشرين سنة! فلماذا؟
والثاني: هل للاغتراب علاقة بالانتخابات؟، أعني كيف سيكون موقف المصاب باغترابٍ منها؟
الجواب نعم، لأنَّ الاغتراب يوصلُ الفرد الى الشعور بأنَّه غريبٌ عن وطنه، غريبٌ عن مجتمعه، وأنَّ مصيره تقرره سلطة يعدّها مصدر شقاءٍ له، وأنَّه عاجز عن الوقوف بوجهها، فيوصله شعوره باليأس الى إحساسه بانعدام المعنى من وجوده في الحياة، يضعه بين أربعة اختيارات: الإدمان على شرب الكحول والمخدارات، الهجرة خارج الوطن، إنهاء حياته بطلقة، أو العزلة عن الناس وعدم المشاركة في نشاطات تخصُّ تحسين حاله للأفضل. وكان هذا هو الشائع في الانتخابات العراقيَّة.
المعادلة
بتحول التيار الصدري الى جبهة المقاطعين التزاماً بشعاره (المشاركة في الانتخابات هي مشاركة مع الفاسدين)، وحرمان عشرة ملايين ناخبٍ عراقي لعدم حصولهم على البطاقة البايومتريَّة، ومقاطعة قوى سياسيَّة أخرى، فإنَّ هناك بالمقابل دعواتٍ للمشاركة في
الانتخابات.
ولإنجاح دورها فإنَّ عليها وعلى وسائل الإعلام توظيف الخطاب السايكولوجي باستخدام استراتيجيَّة الإقناع في تغيير المواقف التي يجيدها المتخصصون في استراتيجيَّة تغيير اتجاهات الناخبين لاستعادة وطنٍ يمتلك كل المقومات لأنْ يعيشَ أهله بحريَّة وكرامة وحياة لها معنى>
ونحن مستعدون لإقامة هذه المحاضرات عبر جريدة «الصباح». فبها نسهمُ في قلب المعادلة لصالح الوطن والمواطن، وأكثر من خمسة آلاف مرشح نجعلهم يدركون أنَّ الهدف من الانتخابات هو خدمة الناس وليس الوصول الى
السلطة.