أوقعتنا الروائية في فخ عنوان طويل، تحثُ القارئ ليدخل تفاصيل حياة أولئك الغرباء الذين تصفهم بـ “الفاتنين”، لملمت شتاتهم لتحكي لنا عنهم، وهم الهاربون من فوضى الصراعات الإثنية والقومية، إنها “ليست رصاصة طائشة.. تلك التي قتلت بيلا” رواية للروائية لينا هويان الحسن، صادرة مؤخراً عن دار الآداب في لبنان، تروي قصص أبطال تعددت جنسياتهم وهوياتهم وانتمائهم، عن المعاناة والهرب والتشرد، عن الحب والرغبة والموت، وبعضاً من السياسة.
جاءت الرواية في ثلاثة أجزاء، حمل كل منها عنواناً للمكان الذي ستدور فيه الأحداث، فكانت البداية من حلب التي أعطت الجزء الأول عنوانه، في الفترة الزمنية التي تلي انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث سيتوافد إليها العديد من الأقليات هرباً من الحرب، لاسيما بعد الثورة البلشفية في روسيا، “بيلا بكتاش” ستكون المحور الأساسي فيها، وعن أبطالها تقول الروائية في مطلع حديثها: “اجتمع آباء (أبطال) هذه الرواية في شام شريف، مطلع القرن العشرين، هاربين من الموت، فارين من الهوية، يبتغون حياة آمنة”.
تحدثنا عن بيلا، تلك الصبية الآذرية، الخلابة، الصامتة، وشمسي ميرزا آغا الشركسي، العاشق الأخاذ، وعن تيمور ميرزا البهي الذي أغرمت به كل النساء، وسيسي بابايان الأرمنية ذات الجدائل السوداء المضحكة، وأبطال آخرون سيترك كل منهم أثره ويمضي.
بيلّا التي تزوجت من رفقي بيك، لكنها ستدفع ثمن حبها، “ماتت ولم تسلم نفسها إلا إلى الحب”، ذلك الحب الذي سيكون الوحش الذي يأكل أبطال الرواية، “فمن كان سيغفر لبيلا كل ذلك الحب الهائل”.
لن تختلف كثيراً سيرة أولئك الغرباء في دمشق، التي حملت عنواناً للجزء الثاني من الرواية، ستكمل الكاتبة سيرتهم بعد أن اجتمعوا مجدداً في دمشق الخمسينات، فترة الانقلابات العسكرية والحكم الأمني، تبدأ الكاتبة هذا الجزء قائلة: “سيحدث الحب مرة أخرى، كما يفعل دائماً، يبزغ من الخطأ، من التصدع الذي لا يمكن إصلاحه”.
أما الجزء الثالث من الرواية فحمل عنوان “ عزبة خناصرة الأحص”، ستشكل “سيسي” ملامحه، لأنها وفقاً للكاتبة “ستقابلها أيها القارئ في ذاتك، فيك”، هناك أرادت أن تعرف الحقيقة، هل قُتلت بيلّا برصاصة
طائشة؟
رواية دونت فيها حكايات وأحداثاً تاريخية لأفراد جمعتهم سوريا في زمن الحروب، تلك الأحداث التي تهملها كتب التاريخ، وينساها المؤرخون، في هذه الرواية ستحفظ أسماء أماكن وأوابد وطرقات ما مررت بها يوماً، تفوح منها رائحة الأماكن وعطور النساء، كتبت بلغة جميلة مشوقة، ضمت تفاصيل كثيرة أغنت النص بغير ملل، إنها رواية ممتعة بكل ما للكلمة من معنى، وجديرة أن تقرأ بشغف.