من الممكن لمحرر في الصفحات الثقافية بجريدة الصباح أن يشعر- دائما- أنّه بحاجة ليواكب كتابات ومقالات الأدباء المنشورة في الصفحة ذاتها، ولعلّ هذه المواكبة تبدو بطيئة – بنظره- ولكنها حتماً تناسب عمله كمحرر لأنها تتيح له الفرصة بأن يطلع على كل ما كتبه الأدباء وأن يركز على مشواره الأدبي في الوقت ذاته.
فكرة أنك تعمل محرراً في صفحات ثقافية بجريدة الصباح عظيمة ومسؤولية كبيرة ولأسباب عديدة، وربما أهمها أنك ستكون مرتبطاً فكرياً بما يكتبه الأدباء والمثقفين من مقالات ونصوص، وعليك –هنا- أن تعبّر من خلالهم عن العالم من حولنا.
في جريدة الصباح الحلم الجميل هذا، حيث يكبر ويكبر. صارت الكتابة في الجريدة بالنسبة لي نوعاً من التواصل مع بناء هذا
الحلم.
وعلاوة على ذلك، فإن لنهج الجريدة والسياسة التي تتبناها في الاعتدال عند طرح مواضيع ومقالات دائما ما نتمكن من التعبير عنها حتى وإن بدت- جريئة- مقيّدة بوقتها، إذ لا مجال لأن نكتبه إلاّ بأسلوب يرتبط بالدقة والمصداقية.
هذه التفاصيل اليومية بينما نكتب ونقرأ ونتابع الأحداث والمتغيرات، فإنّنا نحس أن طريقة تعاملنا في الحياة- وبعد سنوات من العمل داخل مبنى الجريدة- قريبة جدا من أسلوب
الكتابة.
وثيقة ادبية
ترى الروائية عالية طالب، ان اعطاء صفحة ثقافية امتياز اعتمادها وثيقة أدبية فأنها تصبح هوية تعريفية لكتابها لمن لا يعرفهم وخاصة للأجيال الشابة التي تحتاج الى خطوات رصينة ترسم مسار ابداعها، وحين تجدد هذه الصفحة نفسها مع كل عدد فأنها تتخطى القولبة والتكرار وتجيد سحب المتلقي ليجد فيها ما يغذي عقله بعيدا عن الاسفاف والترهل والضعف الفكري.. حين تفعل صفحة ثقافية كل هذا فلها الحق ان تحتفي بنفسها ويحتفى بها ما دامت تعمل على ترصين مفهوم “ الثقافة الرصينة “ تحية للجريدة في عيدها وللثقافية في زهوها.
من جانبه اكد الناقد علي فواز على ان الصحافة الثقافية أفق مفتوح لمقاومة هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، والتي فرضت سرعتها على بث الرسالة الثقافية، وعلى فاعليات الكتابة الورقية، لكن هذا لا يعني موت تلك الكتابة، بقدر ما أن حياتها تتطلب وعيا مغامرا، وأفقا مضادا يملك القدرة على تفعيل الكتابة الورقية لكون قابلة لتلبية حاجات القارئ المثقف، والقارئ العام...ولعل من اكثر تبديات ثقافية الصباح وضوحا هو الطابع الثقافي بمعناه المعرفي، وهذا ما يدخلها في سياق الخصخصة الثقافية، والذي يعني حاجتها الى الملحق الثقافي، وهو تقليد تعمل به اغلب الصحف في العالم، لتكون الجريدة اليومية مجالا لعرض ما هو يومي وتواصلي، ولكي يجد المحرر الثقافي فرصته في الاختيار وفي المتابعة، وفي مواجهة الضغط الكبير عليه بسبب عدم وجود مجلات ثقافية منتظمة الصدور، فضلا عن ان البيئة الثقافية العراقية مازالت غير متحررة من النمط التقليدي للكتابة الابداعية، والتي ترهن وجودها بالثقافي التخصصي، ومسكونة بأشباح الحكايات الكبرى للأدباء ولتقاليدهم القديمة، في وقت تتطلب الكتابة الادبية في الصحافة ما يشبه الخفة، والسرعة، والتواصل مع انماط جديدة من الاستهلاك والتداول
الثقافيين.
صفحة متنوعة
رغم منافسة المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، الا ان بعض الصفحات الثقافية للصحف اليومية بقيت محافظة على مكانتها في الوسط الثقافي، يقول أمجد نجم الزبيدي، اذ يسعى مختلف الكتاب والمثقفين الى متابعتها والكتابة فيها، ومنها الصفحة الثقافية لجريدة الصباح، حيث حرص محرروها على ان تكون صفحة متنوعة وغزيرة بالنتاج الفكري والابداعي والمتابعات الثقافية والمقالات النقدية، بالإضافة الى اختيار اسماء لها وزنها الثقافي والادبي للكتابة في اعدادها، والتي جعلت منها نافذة مهمة للمثقفين العراقيين لمتابعة المشهد الثقافي وملاحقة ابرز محافله ونشاطاته، واعتقد انها حققت درجة عالية من الجدة، وسعت بصورة حثيثة للمحافظة على القيمة الرمزية للصحافة الورقية، وخاصة الصحافة الثقافية.
نهج وطني
في البدء أبارك للصحيفة الغراء ميلادها، واستمرارها على النهج الوطني والمدني فيما تقدمه من مواد، وتستمر اليه من
مشروعات.
قال الشاعر عمر السراي ، الجميل بالأمر هو ايلاء الشأن الثقافي اهمية خاصة، وهذا ما لمسناه ونلمسه دائما، لذلك، ندعو الى تواصل الجهود مع الكتاب، واستيعاب ما ينشرونه في ملفات ستظل خالدة للتاريخ. مبارك وألف
تحية.
ما يتعلق بالصفحات الثقافية أجد أنها متنوعة من حيث المضمون؛ قال د. رسول محمد رسول، نقد متنوع، شعر، قصص قصيرة، وكذلك المادة الفلسفية والفكرية رغم قلتها، والتغطيات الصحافية للأحداث الثقافية، وقراءات الكتب والإصدارات الدورية، وما ينقص هذه الصفحات هو الندوات التي يمكن أن تقيمها الجريدة نفسها في الشأن الفلسفي والفكري مرة في الشهر، وما اتمناه هو ان تستمر الصفحة الثقافية بواقع صفحتين يومية في كل ايام الاسبوع، وأن تعيد إصدار الملحق الثقافي أسبوعيا.
والمتتابع للنص المنشور في الصفحة الثقافية يلاحظ الى انها معنية وبشكل اخلاقي بالفضاء الثقافي الإنساني ان كان متفقاً مع توجهات الجريدة السياسي او مغايرا لها او مختلفاً وجل اهتمامها معني بالجمالي والإبداعي وايصال الفكرة الواعية التي تحمل هموم وإشكاليات المرحلة واستشرافاتها مع الأخذ بنظر الاعتبار جهود المسؤول عن الصفحة الثقافية ومحرريها من هضم التجارب السابقة وتجاوزها لما هو اكثر معاصرة وحداثة وتنوير مما جعلها ، تصل الى مراحل النضوج متجاوزة كذلك النشر على التصنيف الجيلي فتجد في نفس الصفحة كتابات لأجيال متعددة وقد تكون آراء مختلفة وتوجهات
متنافرة.
وبما انها وصلت الى هذه المرحلة من النضج ولا أقول الكمال فإننا نطمح ان تستمر بصفحتين في العدد الواحد لاستيعاب الكثير من الدراسات والشعر والقصص والترجمات وغيرها. تحية مخلصة للقائمين على انتاج هذا الجمال الإبداعي وسط فوضى الحياة ورتابتها.