للعمل في الصفحة الثقافية مذاق خاص، هو اشبه بطعم ورائحة القهوة بالبندق، يجتمع الحلو والمر فيها، هكذا هو الحال، قلق ممتمع يبدأ من ساعات الصباح الاولى وينهتي بعد الدوام في احيان كثيرة، فانت ازاء ولادة جديدة كل صباح، تشاطر عقول الاخرين فيما قرأوا كتبوا، تتفق معهم حينا وتختلف حينا آخر. هي رحلة يومية مقدسة بالنسبة لي، أضع فيها كل حسابات حقولنا التي حرثناها وحصدناها سابقا وراءنا عندما يحضر مقال او نص يصرح بجودته، فيجذبنا اليه كما تجذبنا رائحة القهوة ، بعد ان يبوح بما فيه.
صفحتان ثقافيتان يوميا عدا يومي الخميس والسبت، نحرص ان تلتقي فيهما اقلام المبدعين، هي مسؤولية كبيرة ومهمة علينا التعامل معها بجد، فالعراق اليوم غيره ما قبل العام 2003 والصفحة الثقافية كذلك، لسيت صفحة حزب او جماعة، هي صفحة وطن ومبدعين ، اشبه ما تكون بخرج فلاح عراقي يكتنز البذور واللقاح والغذاء وادوات الفلاحة وفيها قبل ذلك شيء من نفسه ، هو الشيء الذي لا يظهر. نحرص ان يشاركنا الجميع ونحرص كذلك على متابعة الجميع، عبر الخبر والحوار والمقال والقصيدة والقصة والنص والاستطلاع.. لا بل ونعبر «الضفة الاخرى» لنطل على العالم عبر نصوص مترجمة نقرأها ويقرأنا الاخر عبرها. فترانا نبحث في «شيء عن» عن رأي، او في «شذارت» عن حكمة، او نسلط الضوء» بروجكتر» على فنان، او ننطلق « بلا حدود» للبحث عن قول شيء ما بحرية، او نقف» وقفة» عند حدث او ظاهرة، او نسبر «اغوار» قصة او كتاب او رواية، او نذهب بعيدا في «بعد رابع» نتلصص منه على خشبة المسرح، او تسكننا “ افكار” ما حتى نقلبها.. عمل يومي نسعى عن طريقه لتقديم مائدة ثقافية وادبية وفنية من محافظات العراق كافة، نستضيف فيها احيانا زملاء عربا وجدوا في صفحاتنا الثقافية ضالتهم..هذا بعض من همنا اليومي، اما الاهم فهو ان نكون جزءا من صناعة المشهد الثقافي العراقي، وهذا وجبنا كصفحة ثقافية، تستقبل ولكنها تنتج ايضا عبر فتح ابواب جديدة للكتابة وطرق ابواب أخرى مغلقة، وتحفيز المثقف العراقي على العطاء الجاد والرصين، والانتقال بالثقافة العراقية خارج حدود الوطن بالانفتاح على محيطها، همنا الاكبر هو جعل المثقف العراقي ونتاجه الثقافي جزءا من هويتنا الوطنية. نأمل ان نستكمل المشوار في اصدار ملحق ثقافي اسبوعي، يستوعب الجميع، ووعدنا خيرا.
في سياقات العمل اليومي، نجد أنفسنا دائما في حوار، نحن العاملين القلة في تحرير الصفحات الثقافية، حوار ينقلنا لافكار جديدة ويصحح افكار سابقة وقفت عند/ هذا الحوار اليومي، هو حوار نراقب فيه أنفسنا، والمدى الذي نقطعه يوميا في تقديم الجديد، اقولها، أننا لا نكرر أنفسنا، ولا نعيد ماسبق، وما وصلنا إليه يوم أمس، نبدأه كل يوم ولكن بخطوة للأمام، وكأننا نبدأ من جديد،و هذا ما قد يسبب بعض الحركة التي لا ترى مباشرة في عملنا. يسهم الحوار مع المثقف الآخر في الهدف الذي نريد الوصول إليه - وهو دائما كذلك-ا حتى ذلك الذي يترصد أخطاءنا،فالحوار بمستوياته يعدل طريقنا في العمل، ويضعنا، نحن المختلفين، على صواب ما نعمل.
كنا اربعة، واحيانا خمسة، ثم نعود فنصبح ثلاثة،ولكننا كثيرون بمن يراسلنا من مراسلي الجريدة وأدبائنا المنتشرين في محافظات العراق، اولئك الجنود المشهودة لهم مواقفهم في اسنادنا بالمقترحات الجديدة، لذلك فنحن فريق عمل ليس بيننا من يرأس أو من هو مرؤوس، العمل وحده من يميز مواقعنا، والعمل وحده من يضعنا مسؤولين امام ضمائرنا لنقول عن انفسنا اننا مسؤولون عن تنمية الثقافة العراقية.
مبارك لجرديتنا الصباح « جريدة وطن» وهي تكمل عامها السادس عشر وتوقد شمعة لعامها الجديد . ومبروك لثقافتنا وهي تجد في صفحاتها فسحة، نأمل أن تتسع،لقدراتهم التي بدأت تنبئ عن ثقافة عراقية
متميزة.