نصير فليح
تشهد الفترة الأخيرة تسارعاً كبيراً على محور التوتر الإيراني-الأميركي، ومن يتابع هذه التطورات يجد انها يمكن ان تكون الذروة التي ستفضي الى مواجهة عسكرية، او تخطي هذه المواجهة، فهي اشبه بنقطة حرجة سيتضح الكثير مما بعدها، إن كان بهذا الاتجاه او ذاك.
والشواهد التي رافقت هذه الاحداث تؤيد احتمال الابتعاد عن مواجهة عسكرية شاملة وكبيرة، وانّ مواجهة عسكرية، حتى لو حدثت، فقد تكون محدودة النطاق وجزئية. فبعد الانسحاب الجزئي لايران من بعض بنود الاتفاق النووي مؤخراً، ثم المواقف الدولية المتضاربة بهذا الشأن، جاء التفجير المحدود لبعض سفن نقل النفط الاماراتية والسعودية في ميناء الفجيرة، وبعدها بقليل شهدت ساحة المواجهة بين السعودية واليمن تطورا نوعيا، عبر استهداف البنى التحتية الاقتصادية النفطية السعودية بطائرات مسيرة وذلك في عمق الاراضي
السعودية.
غير ان الملفت للنظر ان تصريحات مختلف الاطراف، سواء اكانت ايران او اميركا او دول الخليج، تنزع الى عدم التصعيد والى تحاشي مواجهة عسكرية شاملة. وهو ما يشير الى ان مختلف الاطراف قد لا تكون راغبة في الوصول الى هذا الحد من التصعيد، رغم ان لكل منها اسبابه
المختلفة.
فما يمكن ان تسفر عنه مواجهة عسكرية في وقتنا الحالي، قد يكون ضارا لدول الخليج اكثر من عدة اعوام خلت. فقد شهد العالم والمنطقة عدة تطورات هامة، جعلت احتمالات التداعيات الداخلية لحرب محتملة اكثر خطرا على هذه الدول مما كان عليه الأمر سابقا. اما بالنسبة لايران، فهي كما يبدو تريد ارسال رسالة انها يمكن ان تلعب لعبة النفط نفسها مع خصومها، واذا كان الحصار النفطي سيستمر عليها، فانها يمكن ان تحوله الى ازمة عالمية بهذا الشأن، لا سيما اذا تم دفعها الى النقطة التي لا تعود تخسر فيها شيئا.
الولايات المتحدة من جانبها لم توجه اللوم مباشرة الى ايران بخصوص تفجيرات ميناء الفجيرة، وقالت ان ليس لديها من الادلة ما يشير الى ان ايران ضالعة في الأمر، وان الدلائل قد تشير الى بعض المتعاونين مع ايران. كما ان الرئيس ترامب نفسه نفى التقارير التي تحدثت عن ارسال قوات عسكرية بحدود 120 الف جندي الى المنطقة، وذلك بعد الاعلان عن ارسال حاملة الطائرات الاميركية الى الخليج قبلها
بأيام.
ما يتوجب الانتباه له جيدا، هو ان النفط نفسه سلاح ذو وجهين في اقليمنا. فالعقوبات ضد ايران ركزت بشكل أساسي على منع بيع وتصدير النفط الايراني، لكن الرسائل التي وجهتها الاحداث الاخيرة، ان المصدّرين الآخرين في المنطقة عرضة ايضا لسلاح النفط، عبر مهاجمة منشآتهم وسفنهم، وبالتالي فان ازمة عالمية في مجال النفط والطاقة ستكون متوقعة جدا، بما في ذلك من تداعيات على المستوى العالمي كله. وهو ما يتوجب التفكير فيه مليا قبل الاقدام على اي خطوات تصعيدية اضافية، وهي نقطة تجمع هذه الأطراف المختلفة رغم تنازعها
الشديد.