بيغاسوس يوظف «الواتساب» و«الفيس بوك» لصالح المخابرات الاسرائيلية

آراء 2019/05/19
...

د. قيس العزاوي
 

اختراقات خطيرة للامن القومي لعدد من دول العالم ومنها عربية ومعارضون يخطفون ويقتلون ووسائل الكترونية لتصفيتهم جعلت المنظمات الحقوقية الدولية تقدم الشكاوى تلو الشكاوى على برنامج التجسس الاسرائيلي “بيغاسوس” الذي بات بيد الانظمة القمعية يهدد امن واستقرار آلاف مؤلفة من الناشطين المعارضين والحقوقيين في العالم.
   لقد اجتمعت منظمات مثل منظمة العفو الدولية والفيدرالية الدولية لحقوق الانسان وصحف مثل صحيفة “نيويورك تايمز” و” هارتز” الاسرائيلية و”الفاينانشال تايمز” البريطانية ومواقع مثل موقع “تايمز أوف إسرائيل” وشبكات تواصل مثل الفيس بوك والواتساب وشركة ابل المنتجة لهواتف “اي فون” و”اي باد” على ان البرنامج الاسرائيلي المسمى بيغاسوس هو اخطر جاسوس على الحريات العامة والحقوقية في العالم.
   ان الشكوى التي قدمتها منظمة العفو الدولية ومجموعة من الحقوقيين لدى المحكمة المركزية في تل أبيب، كانت ضد وزارة الدفاع الإسرائيلية، وذلك لتطويرها برامج تجسس انتجتها شركة “NSO” ، المتهمة باستخدام برامج تجسس على الهواتف المحمولة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي والقيام بهجمات منظمة ودموية ضد مقاومين فلسطينيين وناشطين في منظمات حقوق الانسان ومعارضين في عدد كبير من دول العالم وبخاصة في امريكا اللاتينية ودول آسيوية فضلاً عن بعض الدول العربية والاسلامية.
  وقد اكدت منظمة العفو الدولية على انها بعد ان قامت ببحوثها وتحرياتها على اجهزة التجسس الاسرائيلية يمكنها اليوم ان تجزم بأن برنامج بيغاسوس استهدف “جزءا كبيرا من المجتمع المدني”، بما يشمل 24 مدافعا عن حقوق الإنسان وصحفيين عرب واجانب وأعضاء برلمان في المكسيك، وموظفا في منظمة العفو الدولية”
ومن ناحيته أكد فريق البحث التابع للمركز الحقوقي البحثي التكنولوجي في جامعة تورنوتو في كندا ان “بيغاسوس” برنامج تجسس خبيث، قامت بإنتاجه مجموعة تكنولوجية إسرائيلية تدعى “إن إس أو” مرتبطة بوزارة الدفاع الاسرائيلية وبالتحديد هي احدى منتجات الوحدة الاستخبارية 8200 المسؤولة عن جمع الإشارات وفك الشيفرات.
ومن الملاحظ ان هذا البرنامج قد امتد مجال استخداماته الى دول غربية كبيرة، اذ ينشط اليوم في 45 دولة حول العالم من بينها دول مثل الولايات المتحدة الامريكية والمانيا وبريطانيا وفرنسا والهند وتركيا وغيرها. ويذكر موقع “سيتزن لاب”( وهو مختبر تابع لجامعة تورنتو الكندية يساعد مستخدمي الإنترنت على حماية أمنهم الإلكتروني) في تقرير اخير له بأنه أحصى ما يقرب من 175 هدفاً لتجسّس”إن إس أو” حول العالم بما في ذلك 150 شخصاً في بنما . وترى هذه المنظمات الدولية ومراكز البحوث الجامعية والصحف الكبرى ان برنامج بيغاسوس اصبح اليوم تجارة خارجة عن السيطرة لأدوات تجسس عالية التقنية تستهدف المجتمعات المدنية وتعرضها لمخاطر كبيرة .
وتؤكد منظمة “برايفيسي انترناشونال” البريطانية أن هناك 27 شركة إسرائيلية على الأقل ناشطة في ميدان التجسس الالكتروني ، ومن ناحيتها حذرت شركة أبل التي تخشى من تعرض عملائها من الأفراد والشركات إلى التجسس من خلال اختراق اجهزتها التي تصنعها مثل: آي فون وآي باد من قبل برنامج التجسس الاسرائيلي، لذلك عمدت الشركة الأمريكية إلى تحديث نظام تشغيل أجهزتها لحمايتها من مخاطر برنامج بيغاسوس .
تدلنا المعطيات سالفة الذكر على الالمام بمجموعة من الحقائق غفلتها أو تغافلت عنها وسائل الاعلام الدولية التي ما زالت تتمشدق باساليبها الدعائية لمدنية وتحضر اسرائيل . ومن بين هذه الحقائق :
  أولاً : اللااخلاقية والفضائحية ومعاداة حقوق الانسان وتعريض الناشطين الحقوقيين في العالم الى مخاطر الخطف والسجن والتصفية الجسدية وهي صفات الصقتها كل تلك الصحف والمواقع والمختبرات الجامعية الغربية والاسرائيلية باسرائيل وبرامجها التجسسية، وعدوانية جيشها ومع ذلك ما زالت دول الغرب الاوروبي والامريكي ومنظمات دولية تعتبر اسرائيل واحة الديمقراطية في شرق اوسط استبدادي!! أي مسخرة تعيش في ظلها المجموعة الدولية.
ثانياً : من سخرية القدر ان اسرائيل التي اذاقت الفلسطينيين الامرين واغتصبت وطنهم ومارست بحقهم كل انواع الجرائم وصدرت ضدها قرارات دولية وبقيت بلا عقاب هي التي زرعت في صفوف العرب اليوم الفتنة واخترقت الانظمة والمعارضات العربية فقادت حروب اهلية دموية في عدد من الدول العربية وما زالت تراهن على حرب طائفية تدميرية لمنطقة الشرق الاوسط باسرها.
ثالثاً : ساهمت عمليات بيع برامج التجسس مثل بيغاسوس من قبل شركات إسرائيلية مثل “نايس سيستمز” و”فيرينت” في تعزيز التعاون بين أجهزة الموساد الإسرائيلية والمؤسسات الامنية في العديد من دول العالم وبخاصة أوزبكستان وكازاخستان وكولومبيا، وترينيداد وتوباغو وأوغندا وجنوب السودان وبنما والمكسيك وقد استفادت الموساد من خلال ذلك في توظيف اعداد كبيرة من هذه الدول كمخبرين  لخدمة امن اسرائيل.
رابعاً : إن ما يشعرنا بالقلق والدهشة اليوم هو ان معلومات امريكية وكندية واسرائيلية أيضاً تفيد بان دولاً عربية كانت ضحية لهذا البرنامج التجسسي ، ومع معرفتها بذلك، فقد استعانت به للاستفادة من مراقبته التجسسية على اعدائها. ان أمر مثل هذا سيفتح الباب مشرعة للموساد التي ستتلاعب بالقطع في امن واستقرار هذه الدول وتعرضها لاسوء المخاطر .
 
   خامساً: اذا كان بيغاسوس يراقب الناشطين في حقوق الانسان والمعارضين لصالح الانظمة فان الاقمار الصناعية الاسرائيلية تراقب الانظمة العربية وتحركاتها واسرار خططها، وبالتالي تقتضي الضرورات الامنية الحذر من مخططاتها واساليبها لانها ما زالت تعمل وفق خريطة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات. والغرب على الرغم من تفاوت مواقفه السياسية فإنه يدعم في الخفاء والعلن تسليم منطقتنا الى صنيعته اسرائيل.
لقد كتب الشاعر نزار قباني في ديوانه هوامش على دفتر النكسة عام 1967معلقاً على “النكسة” : لم يدخل اليهود من حدودنا بل تسربوا كالنمل في
 عيوننا.