عندما يكون النكد النسويّ دافعًا للإبداع

منصة 2024/01/04
...

 د. قاسم جمعة

“ماذا لو”.. كلمة ترحب بها قواعد اللغة والنحو لكنها ممقوتة من ذاكرة الفعل. ماذا لو أصبحت وحيدا ومن حولك يرقص على أشلاء قناعاتك نشوة بانتصاره، ماذا لو كان كل ما قرأت كذبا، وأعراف الآخرين تحضر مأدبة العشاء الأخير لتحررك. سأترك التاريخ ما دمت أتمنى. فماذا لو لحظة قول، يراد بها دغدغة التمني الطيفي وزوال بزوج الفجر. ماذا لو لم يتجرع سقراط السم وراح يعلمنا أن الحياة أرقى من ثمن ديك ينبغي سداده؟  ماذا لو عرفنا أن أفلاطون هو من قتل أستاذه وكتب محاورات كاذبة من وحي مخيلته؟ ماذا لو كان أرسطو يجول في مدينتي وفي ركبه كل الاسميين يطوفون.. أكنا نتجادل حينذاك عن كتلة من هي الأكبر ومن يحكم باسم السماء، ويحكي قصصاً للأطفال عن الصدق والفضيلة المحرمة.
 تعالوا نتكلم ما دام الجميع لم يسمع، ماذا لو طال الزمن بعمر أمهاتنا أكنا حقا نقتنع بفلسفة الزواج والانجاب.. ماذا لو قبلت سالومي وقبلت بنيشه أيمكنه آنذاك أن يخرق قواعد التفلسف وينتظر زرادشته، ويكتب مذكرات حول العود الأبدي. ماذا لو أن ابنة فان دن أن استاذ سبينوزا لأن قلبها له، وأعطته إذن الدخول لجنة التعارف أكان حينها مهموما بالكناتوس..ماذا لو كانت ريجين أولسن بادلت كيركجارد مشاعر الود أكان يكتب بأسماء مستعارة..
ماذا نريد من الفلسفة أن تكون سوى أن تكون..
وماذا نريد من الزوجة أن تكون سوى زوجة.
ماذا لو كان كل الفلاسفة الذين نرتزق من خيبات زواجهم وخراب أمنياتهم.. ونتسلى بمحنهم بشرب القهوة عند مقهى الرضا علوان.. كانوا قد أرهفت صراحتهم قلوب النساء، وقبلت بالزواج منهم. أكنا ننتظر بفارق الصبر إشعارات” الماستر كارد” التي تلوح بمسجاتها أن افرحوا قد حان وقت التحرر من نكد الزيجات التي تتربص أعينهم هذه الأيام بهواتفنا النقّالة..عسى أن يخطأ الإشعار ليرن جرس الهاتف معلنا بنزول الراتب الذي يبدو أنه يأبى الإعلان عن ولادته إلا بعد فراغ الكذب على النساء مثلما تفرغ الأحاديث على موائد الملل.
هل نسيت هديتي لك بعيد ميلادك الأخير، أنا لا أتذكر.. المهم أنها كانت بعشرة آلاف دينار.. وهل تتغافل أنت متى كان آخر موعد لنا عندما اشتريت وابتعت بأموال مني أنا.. أنا لا أتذكر ذلك قلت لك.. جيد إذن. لقد كانت حياتي كلها لحظة تمرق من ناظري عندما ساق هذا الحوار البين ذاتي كما ينعتونه، مع آخر شخص صعد قطار مع زوجته، عندما كنت متوجها إلى إحدى القرى. فهي تملكه حبا وهو يتملكها كرها. لا أعرف إن كنت حقا ومدركا لهول العلاقات الزوجية، إلا ساعة التقيت صديقي هذا الذي سقت لكم عينة من حواره الاستعراضي المقيت. فتمنيت لصديقي زوجة لا يمتلكها حب تملكي، فهو يعشق الحب ولا زوجة تعانق زوجا يحب المال.
هي تعشق ذلك الذي يشرق ساعة الصباح ويهل بظله ساعة احتضار الليل في ظلمته.على أي حال، قالت له كل ما أملك لك، لان كل ما قلته توًا يهون أمام ما قدمته لي !.وهو يخاف لحظة خوفه وكل من التقى به صار يوبخه. اتصل واستعلم بعدها وعرف حينها موعد الزفاف الأسود لحبيبته اللا تملكيه. فما معنى أنك تحب لكنك ضعيف، وما فائدة معرفتك بعد فوات الأوان. فالذي كشفته متأخرا يعادل جهلك به، والذي كنت دوما ترمقه باستخفاف صار ينصرك أمام نفسه. لقد كان يعشق نساء كثيرات وصادف في سفره امرأة جميلة كانت ترغب به.. لكنه كان خائفا مترددا. على كل حال أصعب الأزمان هي التي تقضى في غير أماكنها المعتادة. وأغرب الأماكن عندما يسوقك إليها دهر ما. لقد تصادف أن تفرق كل حبيب من الأحبة وعرفت هي، أنه هو. وبحسب لغة نيتشه.. فهل يمكن للمرأة أن تكون صديقة؟
أعرف فتاة تزوجت ليلا وأصبحت مطلقة في نهار اليوم الثاني.. وعندما سألتها أجابت لا يعرف التعامل معي فهو يعشق جيبه. وآخر يهوى المال والاكتناز فهو يعد زوجته صفقة لا ربح فيها. وغيرهم من يتلفت خلفه ويسير بالمقلوب لأنه انتصر لذكوريته المؤجلة.!.
ونصادف كثيرا مع سقراط وزوجته المتجادلة والموبخة لشهيد الوثنية جدل الحب والكره وغلبة التملك، فهي على مدار اليوم تبرق وترعد وتغضب كما ينقل عنه هذا القول. لكن الغريب أنها كانت ملهمة له في تدشين نمط جديد من التفكير الفلسفي، يلهم الحوار وينتهي به إلى وضع حد للمفاهيم وتغيير مضمونها.. فالحقيقة تولدت من النكد النسوي وهو لا يعير لها شأنا، فمخالفة العقل النسوي بتجاهله، حيلة براغماتية قال لي عنها، شيخ كبير عندما خالفت رايه. فهل يمكن القول إن الضجر من النسوة يولد مفكرا!. وهل في مخالفتهن دعوة للتفكير الحر وانتاج نمط تفكير منتج.. أسئلة كثيرة تحوم حول المبدعين وعلاقاتهم بالمرأة، فهل أنت حر ما دامك تخرج من ذاكرة النساء منتصرا !..
وبالتالي لم تفلح زانثيبي زوجة سقراط بمهادنة عقله وصرفه عن توليد الأفكار كما كانت تفعل امه لتولد النساء في وضع حملهم.. أفلا يصح القول إن زوجته كانت سببا لولادة التهكم والتوليد، عندها أيكون الأصدق، القول إنها أفلحت وقتما أرادت صرفه عن مجال اهتمامه، فولدت لديه القدرة على التفلسف خارج رحم النكد والمساجلة الزوجية التملكية، إنه زواج للتملك.
أما حب المال يلمس ذلك من العلاقة التي انقهرت وانصهرت بين اينشتاين وزوجته التي يقال إنها الهمته أفكارا.. وكانت له خير عون في تنظيم وكتابة بعض من اوائل نظرياته.. المال كان المحطة الأخيرة في زواجها، إذ اتفق الاثنان على أن تكون جائزة نوبل التي ستمنح للزوج على جهده العلمي الخارق وجاءت الاقدار، بما اتفقت الأنفس عليه، ومنح غداة استلامه مال الجائزة لزوجته عام 1921.. لكن اينشتاين لم يكن راضيا على زوجته التي وضع لها شروطا لا يمكن أن يستمر تطبيقها، فكل من يقرأها يشعر أن طلاقها آت.. على أي حال (ماريك زوجة العالم) انتهت لحياة العوز والمرض بعد أن تمَّ طلاقها وتزوج العالم من زوجة أخ رى. وانتصر المال وظل التملك مزهوا يتربع على عرش الزيجات الخائبة.
أيصح أن يعبر هذا الانفصال، عن الوجه الآخر المغيب للتصاهر بين التفكير والحياة والفلسفة، فيكون مصيرهما الانفصال رغم التظاهر بالتصاهر، أو يكون مصير الفيلسوف والعالم الابتعاد عن النساء بوصفهن زيجات مزعجات.. ربما يكون الاضطراب المتحقق من جراء عدم التواصل مع عالم النساء، عاملا للتعويض واللجوء إلى عالم الكتب والعلم.. إذا صح فهمنا لآليات الهروب وتعويضها أو وفقا لتصارع اللذة والواقع.. فتكون منجزات المفكرين وكل مبدع وسيلة للهرب.. لاسيما إذا كانوا مفلسين كحال سبينوزا ورفضه لعطايا الملك أو منشغلين بالسماء والقيم مثل كانط أو فاشلين بالحب كنيتشه وشوبنهار، أو عوز ماركس أو زاهد مثل فتجنشتاين وثروته التي احتقرها.. وعليه يمكن أن يكون نكد النساء وجدالهن غير المنتهي عاملا للإبداع.. فيضاف مصدر جديد للإبداع ألا وهو، النكد النسوي.